أقوى ظلمة
وداد بنت عبدالله الجابرية
لم أجد ظلمة أقوى من هذه الظلمة التي رأيتها اليوم، بحثتُ كثيراً ولم أجد أي ضوء لأخرج من هذا الظلام الدامس، هل فعلا هذا الظلام الدامس يدوم إلى الأبد؟!
قبل لحظات كنتُ أضحك و أتراقص مع تلك النغمات، وأما الآن أظلمت الدنيا فجأة، فلا أعلم من أطفأ الكهرباء، ولا أعلم أين مفاتيح الكهرباء.
لحظة.. لحظة فأنا لا أشعر بأطراف جسدي وكل ما أشعر به هو بأني أطير وصرخات تعلوا، فما هي القصة؟!
بينما كنتُ أستعد لتلك المناسبة التي سأظهر فيها بكل أناقتي، دعوتُ صديقتي لنتشارك تلك الفرحة، فطلبت منها بأن نخرج قليلاً لأريها الأماكن، ولكن لم أكن أعلم بأن من أحببته في يوم ما هو من يرى أناقتي قبل الجميع، فلا أعلم كيف أتت هذه الصدفة، كنت أعلم بأنه سيحظر، ولكن لم أكن أعلم بأنه هو أول شخص يراني.
مرت دقائق وكانت نظرات العيون هي من تتحدث عما يدور في خواطرنا، صحوت من أعماق تفكيري، لأذهب إلى صديقتي التي وصلت منذ دقائق، خرجتُ إليها وانصدمت من أناقتي؛ لتخبرني بأني كالملاك، أخبرتها ألا تبالغ، وتجيبني بأنها لم تبالغ بالوصف.
دخلنا إلى قاعة المعازيم لارتداء عبائتي وشيلتي لنخرج قليلاً، خرجنا من القاعة لنبتعد قليلاً لنصل لإحدى الكافيهات. مضى الوقت ونحن نتجول هنا وهناك؛ ليحل المساء بنداء صلاة المغرب والعشاء. أدينا الصلاة لنكمل مسيرتنا إلى القاعة، ولم نكن نعي بأن هناك من يتبعنا، فقد كنت أشعر بأن هناك أحداً يتبعنا، وللأسف كذبتُ إحساسي ومشاعري، بينما نتحدث عن تفاصيل أيامنا ونعيش بعض الأوقات مع ذكريات الجامعة، هنا لم يكن في الحسبان، فقد جاء ذلك المتهور والمستهتر ليقضي على تلك الضحكات والسعادة التي استمرت لساعات بعد طول تلك السنوات، بينما تقود صديقتي لتدخل المنعطف اليمين، كنت أضحك وأقول لها: “سأرحل بعيداً”، وهي تعاتبني وتقول لي:”بسم الله عليكِ ما هذا الكلام، اتركي عنكِ وسوسة الشيطان”.
أستمرت لدخول ذلك المنعطف فإذا بذلك الشخص يصطدم بسيارتنا، لتتقلب السيارة وتتعال الصرخات، كان هناك ينظر لي، وأنظر له، فقد صدق إحساسي بأنه يتبعني، فهل أصرخ أم ماذا أفعل؟، فلا أستطيع الحركة، كل ما أشعر به هو تدفق الدماء وألم قوي. نظرت لصديقتي وأختي وحبيبتي؛ فإذا بها تصارع تلك الآلام لتساعدني، وتنقذني، وتصرخ بأعلى صوتها…
أعدتُ نظري إليه لأجده في مكانه دون حركة، فقط عيناها ترمش خفيفًا وتنظر لي.
أستسلمتُ وأغلقتُ عيناي، ليحل الظلام، ولتبقى آخر صورة في حياتي صورته، لا أعلم ماذا حصل، فقد أفقتُ وأنا أطير وأسمع صرخات. كنت فعلًا أشعر بأني كطائر محلق في السماء في ليلة ظلماء، لا أستطيع فتح عيناي، فقد خشيتُ أن ترحل صورتها، مضت الثواني، لا لا.. بل الدقائق، أو لا أعلم!يمكن أن تكون ساعات، فأنا في ذلك الظلام القوي. ما هو ذنبنا حينما نتبع قواعد المرور؟!
فكم مرة صادفت أشخاص متهورين يلقون بأنفسنا وأنفسهم في الهلاك، إن كنت لا تعلم كيف تقود، فاسترح في مكانك ولا تقود إلا وأنت تعي بتعاليم قواعد المرور.
لنعود لموقع الحادث.
حينما أغلقتُ عيوني، فإذا بذلك العطر الجميل والحضن الدافئ، أول مرة أشعر بهذا الأمان الجميل، أدركتُ بأنه هو من حملني، فرائحة عطره الجميلة استنشقتها قبل ساعات، هنا تركتُ قوتي لتخضع للرخاء والراحة ولم أصارعها، بينما أنا مستلقية فإذا بالصرخات تعلوا أكثر وأكثر، ليهزني بعنف، لماذا لماذا يا حبيبتي تتركيني؟! لماذا ترحلين بعدما وجدتك؟! لا لا ترحلي فإن موتي يدنو أكثر وأكثر حينما رحلتي، فلا أستطيع العيش بعدكِ، فإذا بصرخات صديقتي “لا لا مستحيل هي لم ترحل”.
للقصة جزء آخر..