الليلة القادمة
شريفة بنت راشد القطيطية
أعترف، حين دخلتَ حياتي، كنتَ كمحارب فاشل علّمته كيف يقاتل.
وحين نزلتَ بأرض قلبي، تعدّيتَ خصوصيتي وزرعتَ روحكَ في كل ذرّة فيه، لم يكن لي متّسعٌ لأقتلعكَ وأدعوك لاحتساء فنجانٍ من القهوة في مقهىً بعيد، يبعد عن الأرض آلاف الأميال حتى لا تقع عيني بعينكَ، وتذوب كقطعة السكر في الفنجان، حين أتى غرامك قاهراً، وكبّل أطرافي، قرأت ٱية الكرسي سبع مرات، واستخرتُ ربّي لأبعدكَ عن ملاذ الروح، لتأتي مقتلعاً أشجاري وتنمو أنتَ بدلاً منها.
أعترف، حين توسّط قهرك لي يديك التي كانتا تخنقاني، أبعدتك عني، وحين قررتُ مهاجمتك، كبّلتك، وجاء خمول عميق واشتهاء أن أقتلع جذورك من قلبي، جاء من ذوات حضوري حضورٌ ساطع، وأجّلت لعبة القلب، وأخذتك إلى بوادٍ عارمة للعشق، تعدّل مزاج الوقت، وتطحن العاطفة، وتأخذ العناد وتلجمه صبري.
لا أدري إلى أي مدىً سأصمد وأرنّ على سماوات العذل، خوف رجل ٱتٍ من صحراء قلبه إلى واحتي التي بها ماء على الأقلّ.
أعترف، حين دخلت قلبي لم أحسب لدخولك ألف حساب، وقلت: محتال وسيمضي بعد فترة، وحين دخلت حياتي زرعت فيها راياتك كاحتلال، وعمّرت فيها أنواع الأسى، لم أعدّ عتاداً ولا قوة، ولم أتوقع أن معارك الحب فيها انتصارات، دائماً هي خاسرة، وأشلاؤنا مغادرة، وليس بها ذخائر، وليس لها طقوس، فقط هي تأتي في الظلام، وتقتلع الأرواح، وتسافر وتعود في الليلة القادمة لتثخن جراحك من جديد.
أعترف، أخذتَ ما تبقّى من أملي، وقطعت كل أشلائي إلى بعثرة، وحوّلت أكفّي إلى أرض قاحلة تلتقط أشعة الشمس.
لم تزل كلماتك ترنّ في أذُني معاقبة لي على أخطاء لم أرتكبها، وما زالت هتافاتك قطار بخار متّجه نحوي، يبتسم لنهايتي، صرت ميتاً لا يشعر بشيء، وعابثاً بالحديث لا يفقه شيئاً، لا أعرف سبباً لتعاملك معي ودخولي مرحلة صمت، ولهفتي لتحويلك صدىً لصوتي أكسره على وهج صخوري، صرت هادئة كالصخور يرتطم عليها أقبح الموج.
أعترف، أني أكون حيث تكون، وأن لا وطن لدي إلا قلبك، ولا امتنان لي إلا وصلك، أشمّ روائح عشقك مثمرة كأزهار الليمون، وأعقد اتفاقاً مع الليل أن أستقيل من الحروب ومعارك الشوق، وسأرتب خفقاتي متى أردت، وأعود للنوم متى أردت، وأقصّ حكايا ممتعة لقلبي، وأعلّمه التخطّي والعادية، وسأعلمه أن يقف مؤدباً حين يطوف الفجر بجثث العشاق، ويتخلّص منهم في هاوية الوله.
سيكون أكثر قدرةً على التفوّق لينال أرقى علامات الحبّ.