2024
Adsense
مقالات صحفية

القروي والعاصمة.. (11-15)

خميس بن محسن البادي

تابعنا في الجزء الذي سبق إتمام زواج كل من شكيل وسهيلة والتحاق سهيلة بوظيفة في إحدى جهات القطاع الحكومي واكتشاف شكيل لأسلوب الحياة الذي اتخذته زوجه سهيلة بالتعالي عند التعامل مع من حولها ورفضه توجهاتها القيادية لشؤون حياتهما وسعيه نحو سيطرته عليها لكبح جماح نزقها…
ومرت بالزوجين الأيام حاول خلالها شكيل كسر حب العظمة والتسلط لدى سهيلة وسيطرته هو على أغلب قراراتهما واشتراكهما في اتخاذ قرارات بعضها رغبةً منه في خلق حياة زوجية قائمة على التفاهم والتعاون المشترك، وفي الوقت ذاته بدأت هي تلح عليه على ضرورة إنجاب طفل وكأنها ترمي بذلك إلى تقييد حريته بعدم تخليه عنها، ولكن شكيل يبدو أنه ليس كما كان زوجها السابق فهو ورغم أنه مع تقدم المرأة في خدمة البلد والمجتمع إلا أن فكره نحو المرأة هو أن تكون على شخصيتها كأنثى وزوجة وأم حين تتواجد في البيت ومع الأسرة، وهو الذي قد خَبِرَ الحياة فأصبح أنضج من أن يكون وراء ما تمليه عليه زوجه وتطلب إليه فعله كما تريد هي لاسيما إذا كانت تتعارض مع الرأي الذي يراه هو مناسباً، فهو الرجل وهو من له القوامة ولا ينشد معها أكثر من حياة زوجية هانئة قوامها مبنيٌ على الود والتعاون المشترك والتفاهم بما يرضي كل منهما، يرومها حياة كالتي كانت مع الراحلة جهينة التي كانت له نعم القرين الصالح، ومؤكد أنه لن يقبل بغير ذلك وهو الذي ارتوى من قساوة البيئة القروية التي انحدر منها والتي لا تُعلّم إلا الرجولة وعدم الخنوع والمسكنة حيث خرج منها إلى عالمه الخارجي متسلحاً بالتربية الفاضلة، وبذلك وجد نهج سهيلة وتوجهها في الحياة لا تتفق مع مبادئه ونهجه وتوجهاته هو مع وجود بون شاسع بينهما في وجهات النظر خاصة وقد تكوّنت لديه الفكرة عما كانت عليه حين كانت مع زوجها المتوفى، الأمر الذي جعل منه سداً يحول دون قبوله بتمكين امرأته من أن تتولى تسييره كيفما شاءت وأرادت مع حرصه في ذات الوقت للاستماع لرأيها ليقرر هو بعد ذلك ما إذا كان سيأخذ به من عدمه، وبذلك لم يستجب شكيل لطلب سهيلة في إنجاب طفل فهو يعلم أن زواجهما على شفا جرف من الانهيار ما لم تُصلح من شأنها وتكسر شوكة جبروتها وحبها للعظمة ورغبتها الجامحة نحو إدارة شؤون حياتهما، وقد أبلغها بذلك صراحةً وأنه ليس على استعداد بأن يتسبب في إنجاب طفل وحياتهما الزوجية مهددة بعدم الاستمرار نتيجة تعنتها وتكبرها وحبها ولوج قمرة قيادة اتخاذ قراراتهما عوضاً عنه مؤكداً لها رفضه التام لذلك وعدم تقبله منها مهما كانت الأسباب والمسببات ولو وصل الأمر بينهما إلى الانفصال فهو يحبذ ذلك على أن يكون مؤتمراً بما تقرره هي وهي فقط، كل هذه الخلافات وشكيل يصابر نفسه عليها ورغم كل ذلك لم يتطرق إلى حرمانها من ممارسة وظيفتها ومزاولة نشاطها التجاري ولكنه ضد أن تكون هي القائد في حياتهما الخاصة موضحاً لها استحالة أن يكون بينهما طفل ما لم تغير من أسلوب وطريقة حياتها وعليها أن تفعل ذلك إذا ما رغبت في ديمومة زواجهما، وفي الوقت الذي نال فيه شكيل شهادته الجامعية في دراساته العليا (الدكتوراة) فقد تأزمت أمور حياته الزوجية مع سهيلة التي لم يزدها نصحه لها إلا تعنتاً وإصراراً كي تكون هي في الموقع القيادي في كل أمور حياتها وحياة زوجها، في حين يتذكر هو وبأسف شديد كيف كانت الراحلة جهينة ويحن إلى تلك الأيام الخوالي التي كانت معه في السراء والضراء وحيث ما قرر هو كان أمره وقراره مجاب ومطاع من غير تذمر أو امتعاض، وهي التي جاءته من مجتمع غير المجتمع والبيئة اللتيْن جاء هو منهما فكانت له خير سند وخير زوج، فها هو شكيل يعلنها صراحةً في وجه سهيلة بأن تستعد لعواقب أفعالها إن هي استمرت على نهجها الذي يرفضه فيها ولا يمكنه أن يتقبله منها، لكن سهيلة لم تبالِ بما قاله رغم أنها تساءلت في نفسها عن نوع العواقب التي يمكن أن يوقعها عليها زوجها وهو الذي عهدت فيه الطيبة وعدم الرغبة في إيذاء كائن من كان، فهل له أن يقدم على ضربها مثلاً أو إلحاق أذى آخر بها؟ أم أنه سيمنعها عن العمل وعن ممارسة تجارتها؟ وهل سيمنع عنها قيادة السيارة والخروج من المنزل إلا برفقته؟ هذه تساؤلات دارت في فكرها ولم تجد لها جواباً، لكنها عادت وطمأنت نفسها بعدم حدوث أي من العواقب التي توعدها بها شكيل صاحب القلب الطيب والنفس النقية.

واليوم تحل إجازة نهاية الأسبوع فتوجه شكيل إلى قريته لزيارة والدته والسكان هناك الذين لم يتنكر لهم يوماً أو يجحد وجودهم من حياته ولا للقرية أيضاً لكنه دون سهيلة طبعاً، فهو إضافة إلى الخلاف بينهما يعلم مقدماً موقفها من زيارتها للقرية التي ودعتها منذ سنوات مضت؛ بسبب اختلافها مع والديها نتيجة رفضهما التخلي عن قريتهما والمجيء معها للعاصمة، وتنكرها لهما نتيجة انتقالها لبيئة غير البيئة التي تربت فيها والتي وجدتها بيئة من وجهة نظرها أفضل بكثير من قريتها الجبلية البعيدة التي تخلو من مباهج الحياة العصرية، ورغم ذلك لم يحبذ إزعاج والدته بمشاكله فاحتفظ بسر فشل زواجه من سهيلة، لكنه ادّعى لها أن صديقاً عزيزاً عليه يعاني من مشاكل أسرية وطلب إليها إعانته على اتخاذ قرار صائب لإسدائه إليه عله يساعده في التخفيف من معاناة ذلك الصديق الذي يكن له احتراماً خاصاً بعدما نفدت كل محاولاته لتقويم اعوجاج فكر ومسلك منهج الحياة الذي تتبعه زوجه وهو ما يهدد ديمومة العلاقة الزوجية بينهما- هكذا أفهمها وهماً-، ممنياً نفسه الحصول على مشورة طيبة وعادلة من والدته التي عاشت له بعد وفاة أبيه وقد نبذت النرجسية من ذاتها لأجله هو فقط، وحتى لا يكون ظالماً لزوجه في ما سيقرره بحقها ولكنه لم يجد من والدته ما يفيده في ما استشارها فيه عدا تأكيدها له بأن أي رجل تعنيه القوامة على المرأة وإدارة شؤونهما الخاصة لن يقبل بأن تقوده امرأته بل سألته بارتياب عما إذا كان يقصد من ذلك نفسه ولكنه أنكر لها ذلك مدعياً استقرار حياته الزوجية مع سهيلة والتي بدورها تمنت له السعادة الدائمة فهي أمه وتهمها سعادة وراحة بال ابنها، وفي العاصمة حيث عاد إليها شكيل وفي خضم مشاكله الزوجية ومشاغله الوظيفية، اكتشف بعض التجاوزات في مؤسسته التجارية وهروب أحد العمال بعد تمكنه من الاستيلاء على مبلغ من المال وأن تلكم التجاوزات كانت تحدث منذ مدة، تُرى كيف حدث ذلك؟، وكيف تمكن ثلاثة عمال من ارتكاب مجمل المخالفات والحيازات المالية التي استولوا عليها من إيرادات المؤسسة دون وجه حق؟، وكيف تمكن أحدهم من الهرب مغادراً لبلده فيما أمكن القبض على الآخران بعد اكتشاف الأمر مباشرة؟، نعم فلقد حدث ذلك وشكيل في مؤتمرات داخلية وخارجية ومشاغل وظيفية أخرى ومشاكل زوجية مع سهيلة التي كان يفترض منها أن ترعى شؤون تجارتهما معاً بحكم كثرة مشاغله هو وارتباطاته الأخرى وكونهما زوجين وبينهما شراكة تجارية منفصلة عن مؤسسة كل منهما، حيث وبطريقةٍ ما تمكّن العمال الثلاثة من الاستيلاء على المبلغ الخاص بالمؤسسة وتمكن أحدهم من مغادرة البلد لحيازته جواز سفره وإسناده مهمة تحويل المبلغ المستولى عليه لزميليه إلى بلدهم ليقوم هو من هناك باستلامه وإيداعه في حساباتهم مناصفة، هذا ما تم الكشف عنه من خلال التحقيقات التي أجريت في الموضوع إلا أن شكيل في نهاية الأمر لم يتمكن من استعادة المبلغ لإتمام عملية التحويل ولإعلان إفلاس المقبوض عليهما وهروب الآخر، وقد اكتشف أن ذلك حدث نتيجة تقصير سهيلة في مراقبتها ومتابعتها لأعمال مؤسسته هو ربما نكايةً به نظير خلافاته معها وهو الذي لم يتوقع منها هذا كما لم يتوقع ذلكم الفعل من عماله الذين قضوا معه فترة زمنية طويلة في العمل، ونظراً لما حدث من سهيلة خاصة كونها زوجه والتي كان من الواجب أن تكون أكثر حرصاً على إدارة المؤسسة من العمال وإلى جانب تباين وجهات النظر بينهما في ما يخص حياتهما الزوجية، فهل من قرار سيتخذه بحقها؟،، سنعرف ذلك في الجزء القادم بإذن الله.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights