أصالة العريمية
الليالي السعيدة تلك التي تتساقط فيها قطرات المطر وتشع الشمس بضوء خفيف على البلدة لتقوس ألوان الطيف بشكلها المذهل وتجري الأودية باحثة عن مستقرها في نهاية الطريق، ويهب النسيم العليل على المناطق الريفية معلنا يوما سعيدا للجميع.
ها نحن نجمع تلك اللحظات في ذاكرتنا لننعش بها اشتياقنا لها ونعبر عن امتنانا الدائم للطبيعة وخيرها الكبير علينا، لنتفكر في لحظاتها المميزة وكأنها عيد لا نراه إلا في مرات قليلة.
في أيام المطر كانوا الصبية دائما ما يفضلون أن يلعبون على بركات المياه التي أغرقتها قطرات المطر حينها، ونستمع إلى أصوات الجيران التي تصرخ بأجمل الأغاني للمطر، وكأنه صديق يحادثونه بأجمل الكلمات ويدعونه لزيارتهم كل حين، وحين يؤذن المؤذن ليودع المطر ليلتنا نسمع تهاتف الأدعية لله وكأن هذا الضيف بشرى لاستجابة مؤكدة، رسول على هيئة مطر.
في ليالي المطر تغلق الدكاكين نصف أبوابها خشية دخول المطر عليها وتفتح نصفها الآخر لتنتظر رزقها منه، كنت أتلذذ الطعام في أوقات المطر، كان له طعم مميز، ودائما ما أشتهي الخبز الساخن مع كوب الشاي الذي لا أجد طعما لذيذا يشبه ذلك المذاق، وأرى الضوء يغيب والأرض تتنفس للمساء لتتساقط حبات الرذاذ مع نسيم الليل العليل، فأكمل ليلتي في تأمل العالم من بعيد.
ثم ما يلبث الصبح أن يشرق بذلك اليوم الموعود حتى تجد الجميع قد أنزل قافلة اللعب معه حتى يمد فرشته أمام الوادي ليجتمع الأطفال في بركات الماء ويبدأوا بإظهار قدراتهم العجيبة في الغوص وتحدي إيجاد ما تحت الماء.
أما عن النساء فتجدوا من تمد بفراشها لتقتنص فرصة جريان الماء في التنظيف والتعقيم، والرجال الذين وجدوا مستقرا جديدا لأحاديثهم الطويلة مع قهوة لذيذة تكمل عليهم جمعتهم الطيبة أمام الوادي.
أما عن الشباب فتجدهم يمشون على امتداد الوادي تأخذهم أحاديث الصحبة في كل حين فيساعدوا الكبار مرة ويحنوا إلى شغب الطفولة حين أخرى.
ليأتي الغداء هذه المرة أمام هذا المنظر الذي يجتمع على حبه الجميع فيكملون جلساتهم الطيبة حتى يفيق كل واحد على أعماله فيتراجع أدراجه إلى الوراء ليكمل ما لديه من سقي وزراعة وعلم.
تلك الليالي والأيام أشبه بليلة الحلم التي تأتي دون أن نعلم وترحل دون أن ندركها، كانت كافية لتطبطب على أرواحنا وتغذيها بحب الحياة مرة أخرى، وندعو في كل مرة أن تكون زياراتها لنا طويلة حتى نبقى معها دائما.
