ليلةُ اكتمالِ الحبِّ
عزماء الحضرمية
النّدَاءُ الأَخِيرِ بعدَ قَرارِ غِيَابِكَ المُزجَى بِهِ علَى حافّةِ الرّفضِ، والّذي تزعُمُ بهِ أنّكَ المُنتصِر، فقَتلْتنِي وانتَصرْت، ها أنَا اليَومَ أكتُبُ لَكَ مُجدّدًا، فَجديرٌ بِي أنْ أُهنّئكَ علَى هَذَا النّصْرِ المُباغَت، وكَأنّ الشّمسَ زُفّتْ للقَمَرِ بَعْدَ عَذَابِ دَورانِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مُحِيطِهِ، فهَنيئًا لَك، وهَنيئًا لِي مَا سيَحِلُّ بِقلْبِك، أّمّا بَعْدُ يَا صَديقِي:
تِسْعٌ وسَبعُونَ عَذَابًا مِنَ الانْتِظَارِ فِي قَلْبٍ وَاحِدٍ لَمْ يَسْتطِع الاتّكَاءَ علَى قَلبٍ آخَرَ غَيْرَك!، فَكانَتْ نِهايَتُه بِكَ وعلَى يَديْك، فَسَلامُ اللهِ عليك وعلَى الغِيَابِ المُتعِبِ، لا أُوذِيت، لا رَاحَةَ تَأتِي فِي الانْتظَار، ولا أَمَلَ يَبْقَى بالانْتِظَار، ولا شَيءَ يُشفِي حَنِينَ المُنتَظِرِ، لا الرّسَائِلُ ولا الكَلِمَات، ولا لَيَالِي الشتَاءِ المُزدَحِمَةِ بالبُكَاء.
عَودةً إلى بِدايَاتِ مَسيرِنَا وأَنَا أُدرِكُ تَمَامًا مَا جَنَاهُ الآخَرونَ مِنْ طُولِ المَسيرِ، فَقاومْتُ حتّى قلّدتنِي بوِسامِ الانتِظَارِ، فَأَسْمَيْتَنِي ” انتِظَار “، وقضَيت علَى الحبِّ الذِي كُنّا بِهِ نَهرُب، مُرورًا بِشريطِ الانْكسَاراتِ التي واجهتُها واحِدَة واحِدة، أصَابعِي التِي أرهَقْتُها بِكِتَابَةِ الرّسَائلِ المُكفّنَةِ بالشّوقِ، صَناديق البَريدِ التّي سَئِمَتْ مِن بَعثِ الرّسَائلِ دونَ جَوابٍ يأتيهَا مِنْك، أبوابُ الحارةِ التي جُنّتْ مِنْ طَرْقِي المُسْتمِرّ لَهَا بَاحِثَةً عَنْك، لَمْ تَنْطِق الجَمَادَاتُ يَا صَديقِي حَتّى تُعْلِمَكَ مَا صَنَعَهُ الغِيَابُ بِي، لَمْ تَنْطِقْ! لَمْ تَصْرُخْ!
لَطَالَمَا شَبّهتُكَ بالطمَأنِينَةِ التِي تنْزرِعُ داخِلِي عِنْدمَا تَمُدّ لِي الصبَاحَاتُ أمَلًا فَتهْدَأ أمواجُ قلبي، فآمنتُ أنّك الصّديق الوحِيد الذي يَستطِيعُ لَمْلَمَةَ هذهِ الرُّوح في تِلكَ اللحظَات، ولَكنْ كُتِبَ لَكَ يَا صَديقِي أَنْ تُحرِقَ هَذهِ الرُّوح مرَارًا وتُذِيقَهَا مِنَ العَذَابِ مَا شِئْت، وبالمُقابِل لا تزَالُ هذِهِ الرُّوح مُتعَلّقةً بأَبسَطِ التفَاصِيلِ التي تَصِلُها بِكَ وإليْك، فانفُثْ ثلاثًا حَولَ رُوحِكَ يا صَديقِي لستُ أنسَى، مَهْمَا سَكبْتَ مِنَ الأَذَى فَأنَا هُنَا؛ كَيْ أنْتظِر وسَأنْتظِر.
حَيّ عَلَى الحُبّ،
ارْأَفْ بِالقَلب