الإدارة بالمثل .. كيف نخلق بيئة عمل متوازنة بين العطاء والتقدير؟
خلف بن سليمان البحري
في بيئة العمل الحديثة، حيث تتزايد التحديات وتتطلب النجاحات مستوى من التكاتف والإخلاص، تأتي الإدارة بالمثل كنهج فريد في بناء علاقات عمل متينة تقوم على مبدأ العطاء المتبادل والتقدير المستمر،وهذا المفهوم ليس مجرد شعار يُرفع، بل فلسفة تعكس كيف يجب أن تُدار فرق العمل حيث يصبح كل فرد فيها قدوة وركيزة يُحتذى بها، فيشعر الجميع بأن دورهم حيوي وبأن جهودهم محل تقدير حقيقي، إن الإدارة بالمثل تقوم على أساس أن المدير يتعامل مع الموظفين كما يرغب في أن يُعامَل، مؤسسًا بذلك لثقافة تتسم بالاحترام المتبادل وتعزيز الانتماء.
حين نُقدّر العطاء الحقيقي في مكان العمل، فإننا نؤسس لبيئة تقدر كل جهد، صغيراً كان أو كبيراً،فالعطاء هنا ليس مجرد إتمام المهام، بل امتداد للشغف والانتماء، إذ يُظهر كل موظف رغبته في الإسهام الفعّال ضمن إطار من الثقة، يقول الله تعالى: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ” صدق الله العظيم، مؤكداً أن العمل بروح جماعية يُعزز من الإيجابية والإنتاجية في كل جانب من جوانب العمل في ضوء هذه الفلسفة، يُصبح كل فرد مؤمناً أن جهده مهما كان بسيطًا، له مكانة وتقدير، وأن الإدارة تلاحظ كل عطائه وتثمّنه.
إن التقدير المتبادل يخلق توازنًا في بيئة العمل، ويعزز شعور الموظف بأن مجهوده جزء من كيان أكبر يسير نحو النجاح،فلا يُنظر إلى العطاء كواجب ثقيل، بل كفرصة تعبر عن الانتماء والشعور بالمسؤولية تجاه الفريق،و التقدير هنا ليس مجرد كلمات تُقال في المناسبات، بل شعور يظهر في كل موقف، ليصبح الشكر والاعتراف بالجهود سلوكًا متأصلاً في ثقافة العمل، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “مَن لا يشكر الناس لا يشكر الله”، ليؤكد لنا أهمية الامتنان كقيمة رئيسية تشجع الجميع على البذل والعطاء بسخاء.
إن فلسفة الإدارة بالمثل، حين تُطبَّق بصدق، تعطي نتائج مبهرة تجعل من بيئة العمل مكانًا للإبداع والنمو، حيث يشعر الجميع بأن جهودهم تُقدَّر وأن عطائهم لا يُنسى، هذه الثقافة التي تعزز التقدير المتبادل تزيد من حماسة الموظفين وتدفعهم لتحقيق مستويات عالية من الأداء، وتجعلهم أكثر استعدادًا للمساهمة في تحقيق الأهداف المشتركة، فيصبح القائد قدوة حقيقية، يعكس في تعامله مبدأ التوازن بين العطاء والتقدير، ويوضح للموظفين كيف يكون النجاح نتيجة تعاون الجميع بإخلاص.
ختامًا، تُمثل الإدارة بالمثل فلسفة إدارية أصيلة تهدف إلى بناء روابط قوية بين أعضاء الفريق، وتؤكد على أهمية التقدير كأسلوب حياة في العمل بتعزيز هذه القيم، نخلق بيئة عمل لا تزدهر فقط بإنتاجيتها، بل تزدهر أيضاً بروحها الإيجابية وانتماء موظفيها العميق لها، لنحقق نجاحات مستدامة تنبع من تقدير الإنسان لجهود أخيه الإنسان.