الأشخاص ذوي الإعاقة بين مطرقة الفقر وقانون التقييم الجديد..أزمة شبابية تبحث عن أفق
حمدان بن هاشل العدوي
عضو الجمعية العمانية للكتاب والأدباء
في زوايا وطننا الغالي سلطنة عُمان، يقف شبابٌ صامتون، لا تسمع شكواهم سوى جدران البيوت المتهالكة، هؤلاء هم الأشخاص ذوو الإعاقة الذين يعتمدون على “راتب الضمان” الذي يشكل لهم شريان الحياة، وسط طوفان التحديات اليومية التي تحيط بهم من كل جانب، لا يملكون وسيلة للدفاع عن حقهم سوى صبر الأمل؛ صبر يحاول أن يكسر قيد الفقر ويضيء طريقهم رغم عتمة الأفق الاقتصادي المتعثر.
في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، ظهر قانون التقييم الجديد للحصول على منفعة الإعاقة، في حين يرى المسؤولون أنه وسيلة لضمان وصول الدعم لمستحقيه، يرى ذوو الإعاقة أنفسهم مهددين بفقدان حقهم الأساسي، حيث تُخضع إعاقاتهم لتقييم جديد قد يقرر إذا ما كانوا “مستحقين” للحصول على الدعم أم لا، يطرح هذا القانون أسئلة ملحة حول حقوق ذوي الإعاقة في حياة كريمة تضمن لهم الحد الأدنى من المعيشة.
لا نتحدث هنا عن أولئك الذين توفر لهم أسرهم أوضاعًا مريحة، ولا عن أبناء التجار ورجال الأعمال؛ بل نتحدث عن أولئك الذين يعيشون على حافة العوز والفاقة، هم الشباب الذين يعانون من إعاقات متوسطة، وإعاقات ذهنية، وشلل نصفي، وُلدوا بواقع صحي يحرمهم من الانضمام إلى سوق العمل، ويجدون أنفسهم اليوم مجبرين على مواجهة مصير مجهول بعد قطع راتب الضمان عنهم، هؤلاء الشباب عجزت فرص العمل عن استيعابهم، فلا يمكن لهم منافسة خريجي الجامعات في ظل الأزمات المتتالية التي ضربت سوق العمل وجعلت من الوظائف حلماً صعب المنال حتى للأصحاء.
تحت وطأة هذا القانون، يجد ذوو الإعاقة أنفسهم محاصرين بين مطرقة الفقر وسندان التقييم، فتزداد حياتهم صعوبة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتحديات الحياة اليومية، كيف سيكون حال هؤلاء الشباب إذا قُطع عنهم هذا الراتب؟ وهل يُعقل أن يصبح التقييم الجديد هو السبب في تعميق الفجوة بين احتياجاتهم الحياتية الأساسية وبين واقع لا يرحم؟ كيف لفتى يعاني من شلل نصفي أن يتحمل أعباء الحياة دون دخل ثابت؟ وأي حياة تنتظره دون ضمان صحي أو دعم اجتماعي؟
في هذه الأزمة، يبدو أن التقييم يفتقر إلى فهم كامل لحاجات هؤلاء الشباب؛ فالتقييم الطبي الذي يُحدد استحقاقهم للمساعدة لا يأخذ في عين الاعتبار الظروف الاقتصادية التي يعيشونها، ولا ضعف فرص التوظيف المتاحة لهم، يتمحور التقييم حول “المعايير” الطبية دون التفات إلى ما وراءها من حياة مليئة بالصعوبات، فالتقرير الطبي قد يحدد أن الشخص “مؤهل” جسدياً لأداء بعض المهام، لكن المجتمع لا يقدم له الفرص الكافية لاستثمار هذه القدرة في كسب العيش، ليبقى السؤال المحوري: ما البديل لهؤلاء إذا فقدوا هذه المنفعة؟
إن التفكير في مصير هذه الفئة من الشباب يستوجب وقفة جادة من المجتمع ككل، ليس فقط للمطالبة بحقوقهم، بل للعمل على إعادة النظر في القوانين التي تمس حياتهم، يجب أن يضم التقييم بعداً إنسانياً واجتماعياً يضمن حق هؤلاء الشباب في العيش بكرامة، فبدلاً من قطع الدعم، علينا البحث عن حلول توظف إمكانياتهم بشكل فعّال، كإيجاد برامج تدريبية تلائم احتياجاتهم أو توفير وظائف مناسبة لهم تضمن لهم استقلاليتهم وتكسبهم احترام الذات.
تتحمل الحكومة والمجتمع مسؤولية إحياء الأمل في نفوس هؤلاء الشباب، وإذا كنا نسعى نحو مجتمع متكافل، فلا بد من مد يد العون لكل فرد فيه، تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني ودعم المبادرات التي تُعنى بدمج ذوي الإعاقة في سوق العمل قد تكون نقطة انطلاق جديدة تساعدهم على تحسين أوضاعهم الاقتصادية، وختاماً، يبقى هؤلاء الشباب في أمس الحاجة إلى سياسات منصفة تأخذ في الحسبان حياتهم وتكفل لهم حقوقهم الإنسانية بعيداً عن الحسابات البيروقراطية.