2024
Adsense
مقالات صحفية

عيش وملح .. سرالنجاح في العلاقات وإدارة الأعمال (الجزء الثاني والأخير)

غزلان بنت علي البلوشية

في عالم العلاقات البشرية، يعتبر مفهوم “عيش وملح” تجسيدًا عميقًا لقيم الشراكة والتآزر الاجتماعي، هذا المصطلح الشعبي لا يعبر فقط عن فعل مشاركة الطعام، بل يحمل في طياته رمزية أكبر تتعلق بالوفاء والإخلاص بين الأفراد، إن “عيش وملح” ليس مجرد تقليد اجتماعي، بل بناء ثقافي يعزز الروابط الاجتماعية ويعمق العلاقات بين البشر.
فمن الناحية العلمية، يعد الطعام وسيلة أساسية للتفاعل الاجتماعي، حيث ترتبط مشاركة الوجبات بزيادة مستوى الثقة والتقارب بين الأفراد.

الدراسات الاجتماعية تشير إلى أن تناول الطعام معاً يعمل على تقوية الروابط بين الأشخاص، مما يخلق بيئة من الثقة المتبادلة والاحترام، وهذا التفاعل اليومي الذي يبدو بسيطاً يحمل في داخله قيماً تربط الأشخاص ببعضهم بعضاً على مستوى عميق.
في إطار العلاقات بين البشر، يُعتبر “عيش وملح” نموذجاً عملياً لتجسيد فكرة : أن المشاركة تولد التعاون والولاء.

فعندما يشارك الأفراد الطعام، فإنهم لا يتشاركون في موارد مادية فحسب، بل يتبادلون أيضاً مشاعر الثقة والتقدير، مما يعزز الرغبة في الاستمرار في العلاقة على المدى الطويل.
تجسيداً لهذه الرمزية الاجتماعية، فإن العيش والملح يتجاوزا -كونهما عادة – إلى أن يصبحا قاعدة أساسية في بناء العلاقات المتينة، سواء على مستوى الأسرة، أو الصداقات، أو حتى في بيئة العمل. إن إدراك هذه الأبعاد يمكن أن يكون له تأثير كبير على كيفية إدارة العلاقات بين الأفراد في مختلف السياقات الحياتية والمهنية.

نستكمل في هذا الجزء الثاني والأخير ماتبقى من معلومة في هذا المقال.
أمثلة واقعية:
نجاحات وإخفاقات بسبب “عيش وملح”
النجاحات:
شركة ناشئة تنمو بروح “عيش وملح”في عالم الشركات الناشئة، تعد بيئة العمل المترابطة والقائمة على التعاون من أهم عوامل النجاح، وأحد الأمثلة على ذلك هو شركة تقنية ناشئة تأسست على يد مجموعة من الأصدقاء الذين تجمعهم روح “عيش وملح” . بدأت الشركة كمشروع صغير في مرآب أحد المؤسسين، حيث كانوا يتشاركون وجبات الغداء ويتناقشون حول أفكارهم، هذا الجو الدافئ والتعاون المستمر خلق بيئة عمل مفتوحة ومشجعة، حيث شعر كل عضو في الفريق بالإنتماء والمسؤولية تجاه نجاح الشركة.

مع مرور الوقت، ومع استمرار هذه العادات اليومية مثل تناول الغداء معاً ومشاركة الأفكار بحرية، تمكن الفريق من التغلب على التحديات الكبيرة التي واجهتهم في السوق، فروح “عيش وملح” لم تعزز فقط التعاون بين أعضاء الفريق، بل أسست أيضاً ثقافة تنظيمية قوية تعتمد على الثقة والاحترام المتبادل.

اليوم أصبحت تلك الشركة من بين الشركات الرائدة في مجالها، وتستمر في النمو بفضل هذه القيم التي بدأت ببساطة من خلال مشاركة الطعام.
الإخفاقات:
مؤسسة تعتمد على العلاقات الشخصية بدل الكفاءة.
على الجانب الآخر، نجد أن هناك شركات تعثرت بسبب الاعتماد المفرط على العلاقات الشخصية مثل “عيش وملح”، على حساب الكفاءة المهنية، ففي إحدى المؤسسات العائلية الكبيرة، كان القرار الحاسم في تعيين القيادات العليا يعتمد بشكل كبير على العلاقات الشخصية وتاريخ العائلة المشترك، بدلاً من الخبرة والكفاءة، فكانت الاجتماعات والقرارات تُتخذ غالباً في سياق اجتماعي غير رسمي، حيث كانت الروابط العائلية والشخصية تلعب دوراً أكبر من الأداء الفعلي.

مع مرور الوقت، بدأت المؤسسة في مواجهة مشاكل تشغيلية كبيرة، بحيث تراجع الأداء وتزايدت النزاعات الداخلية نتيجة لعدم وضوح الأدوار وعدم كفاءة بعض القادة الذين تم تعيينهم بناءً على علاقتهم الشخصية بدلاً من مهاراتهم، كما أن هذه الديناميكية خلقت بيئة عمل غير عادلة، حيث شعر الموظفون الأكفاء بأنهم غير مقدرين وغير محفزين للعمل.

في نهاية المطاف، بدأت المؤسسة تفقد حصتها في السوق لصالح منافسين أكثر كفاءة، وانخفضت أرباحها بشكل ملحوظ.
الدروس المستفادة من
هذه الأمثلة الواقعية تسلط الضوء على القوة الثنائية لمفهوم “عيش وملح” فمن ناحية، يمكن أن يكون “عيش وملح” قوة دافعة لبناء ثقافة تنظيمية قوية تعزز التعاون والولاء بين أعضاء الفريق، مما يساهم في تحقيق النجاح المستدام، ومن ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي الاعتماد المفرط على العلاقات الشخصية إلى تراجع الأداء وتداخل الأدوار، مما يؤثر سلباً على الشركة على المدى البعيد.

خـاتمـة :
التوازن بين القيم والعمل في عالم معقد يتطلب مزيجاً من الكفاءة والإنسانية، فيبقى التوازن بين الحفاظ على القيم الثقافية مثل “عيش وملح” وبين الاحترافية في إدارة الأعمال أمراً جوهرياً لتحقيق النجاح المستدام. “عيش وملح” ليس مجرد تعبير شعبي، بل هو رمز للتواصل والولاء، ويمكن أن يكون أداة فعالة لتعزيز الروابط بين الأفراد داخل وخارج بيئة العمل، وعندما يُدار بحكمة، يمكن لهذه القيم أن تخلق بيئة عمل متجانسة تساهم في تعزيز التعاون وتحفيز الابتكار، لكن في الوقت نفسه، يجب أن نكون واعين للمخاطر المحتملة عندما تتحول هذه القيم إلى معيار يتجاوز الكفاءة والمهنية. الاعتماد المفرط على العلاقات الشخصية يمكن أن يؤدي إلى تداخل الأدوار، وخلق بيئة غير عادلة، مما يؤثر سلباً على أداء المنظمة ككل، لذلك من الضروري أن تُستخدم هذه القيم كداعم للثقافة التنظيمية، وليس كبديل للمعايير المهنية.
بالتوازن الصحيح، يمكن لمفهوم “عيش وملح” أن يصبح قوة دافعة للتنمية الشخصية والمهنية، مما يعزز من قوة الروابط الاجتماعية ويدعم تحقيق أهداف العمل بفعالية.
إن إدراك قيمة هذه التوازنات، وفهم كيفية تطبيقها في الواقع العملي، هو ما سيحدد نجاح الأفراد والمؤسسات في تحقيق تميز مستدام في عالم دائم التغير.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights