الثلاثاء: 29 أبريل 2025م - العدد رقم 2535
Adsense
مقالات صحفية

تفريغ الذاكرة الداخلية لاستعادة السعادة بالحياة

عادل بن رمضان مستهيل
‏adel.ramadan@outlook.com

بينما كنت أراجع هاتفي صباحاً، ظهر إشعار مألوف: “الذاكرة ممتلئة، يُرجى إفراغ بعض المساحة.” توقفت للحظة، وتساءلت: ماذا لو تلقينا إشعارات مشابهة في حياتنا تُنبهنا لضرورة تفريغ أعباءٍ لا تُرى، لكنها تثقل الروح وتعطّل مسيرتنا؟

فالحقيقة أننا نتعامل بجدية مع هواتفنا حين تَشكو امتلاءها، فنُسرع بحذف الصور الزائدة والملفات العالقة. ولكن قلما نلتفت إلى “ذاكرتنا الداخلية” المليئة بذكريات مؤلمة، علاقات سامة، ومقارنات لا تنتهي. وكما يُعطل الهاتفَ التخزينُ الزائد، تُعطلنا مشاعرُنا المتراكمة، فنُصاب بالإرهاق، ونفقد القدرة على المضي قدماً.

تحمل عقولنا مشاهد من الماضي أشبه بملفاتٍ عفا عليها الزمن؛ مثل موقف محرج من سنوات، تعليق جارح علق في الذاكرة، أو قرار خاطئ نُعاقب أنفسنا عليه يومياً. نُعيد تشغيل هذه الذكريات وكأن تكرار الألم سيُغير الماضي؛ لكنه في الواقع يُهدر الحاضر ويُعيق المستقبل. والسؤال الجوهري هنا: هل تُضيف هذه الذكرى شيئاً إيجابياً؟ أم أنها مجرد عبء يستنزف طاقتك؟

أما من جانب آخر ليست كل العلاقات تستحق البقاء. فبعض الأشخاص يشبهون “التطبيقات الخفية” التي تستهلك البطارية دون فائدة؛ مثل صديق يُحوّل كل لقاء إلى جلسة شكوى ونقد، أو زميل عمل يسرق حماسك ويُقلل من إنجازاتك، أو شريك عاطفي يُحول الثقة إلى شك دائم. وهؤلاء ليسوا أخطاءً في حياتك، ولكن الاستمرار معهم قد يكون خطأً. فكما نُزيل الملفات المؤقتة من الهاتف، علينا أن نُفرغ قلوبنا ممن يُثقلونها.

أننا نشهد يومياً معرضاً رقمياً لحياة الآخرين؛ مثل إنجازات مُبهَرة، رحلات، وأجساد مثالية؛ وننسى أن هذه الصور مُعدلة بفلترات تُخفي التعقيدات الحقيقية، ولكننا نستخدمها كمعيار لقيمتنا؛ فتنقلب المقارنة إلى إحساس بالدونية: “هل تأخرت؟ هل فشلت؟” . وهنا يصبح “حذف” هذه المقارنات ضرورةً لاستعادة السلام الداخلي؛ دع لأنها مقارنات وهمية.. حين نخلط بين “الفلترة” والحقيقة!

لقد بحثت على نصائح عملية: كيف تُنظف ذاكرتك النفسية؟ ووجدت بعض الإرشادات النفسية من بعض المختصين في العلاج النفسي وألخصها في خمس نقاط؛ وهي كالآتي:-

1. مراجعة أسبوعية: خصص وقتاً لمساءلة نفسك: ما الذي أثقل كاهلك هذا الأسبوع؟ ما العلاقات أو الأفكار التي تستحق التخلي عنها؟

2. الكتابة ثم التحرر: أفرغ مشاعرك على الورق، ثم مزّقها. هذه الطريقة البسيطة تُعيد ترتيب المشاعر وتُخفف العبء.

3. تعلّم قول “لا”: الرفض ليس أنانية؛ بل هو حماية لمساحتك النفسية. ابتعد عما يُرهقك دون شعور بالذنب.

4. أوقف إعادة التشغيل: تذكّر أن الماضي لن يتغير، لكن المستقبل لا يزال صفحةً بيضاء. كل لحظة تُهدرها في الندم تُؤجل فرصتك في التقدم.

5. عادات التجديد: الرياضة، التأمل، والنوم الكافي ليست رفاهية، بل أدوات لإعادة شحن طاقتك وترميم ذاتك.

و في الختام.. أنت أكثر من جهازٍ يحتاج إلى تحديث! بالرغم أننا لا نملك إشعاراتٍ تُنبهنا لامتلاء ذاكرتنا العاطفية، فإن أجسادنا تَصرخ بالإرهاق، وأرواحنا تُرسل إشاراتٍ بالضيق. لذا، عامل نفسك كما تعامل هاتفك: أنت بحاجة دورية إلى “صيانة”. احذف ما يُعيقك، احتفظ بما يُنير طريقك، وافتح مساحةً لأشياء جديدة تُعيدك إلى الحياة؛ فالتفريغ ليس نسياناً، بل هو خطوةٌ شجاعة لاستعادة السيطرة على قصتك الخاصة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights