الأربعاء: 30 أبريل 2025م - العدد رقم 2536
Adsense
مقالات صحفية

البراءة الإيديولوجية في حقلي الإنسان والتاريخ مستحيلة

ناصر بن خميس الربيعي

   تصور عزيزي القارئ الكم الهائل من المعرفة التي حصلنا عليها كعلوم إنسانية، منذ أن عرف الإنسان الحضارة والتمدن، حيث بدأ يفسر الوجود والعلاقات التي تجمعه مع بقية المخلوقات، ولتعلمْ أيها الحاذق أن الإنسان يُبدع في استعراض عضلاته في سرد فلسفته وفهمه لأخيه الإنسان، ويتناسى تنزيه أفكاره ومعتقداته التي ربّما تتعارض مع معتقدات الآخر، فيضع بصمته المقيتة على هذه العلوم الإنسانية، وهذا ما تعنيه الإيديولوجية، ليأتي بعده من يأخذ هذه الأفكار ويتبناها دون أن يُعْمِل فيها عقله وفكره الناقد وهنا تتأزم الحياة فيستحيل التعايش مع الآخر.

  إذا تأملنا فيما يدور حولنا من صراعات في مختلف دول العالم شرقه وغربه جنوبه وشماله؛ لوجدنا أن المحرك لها أحقاد تاريخية بُنيت على خلافات عرقية ودينية، كان الأصل فيها إثراء الوجود الإنساني، حيث جاء القرآن الكريم مؤكداً لهذه النظرية في قوله تعالى : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [سورة الحجرات:13]، إلا أن هذا الأصل قد حُرّف فضاعت أصوله، فمن قاد هذا التحريف لم يُنزّه نفسه الدنيئة عن وضع السُّم في العسل فسار يرسم خارطة يقسم بها البشر وتاريخهم وحتى أصولهم وفق إيديولوجيات تخدم كياناتهم السياسية ومصالحهم الشخصية.

  لذلك أعود إلى مقولة السلطان قابوس – طيب الله ثراه – حين قال : ( خذوا التاريخ بحذر، ولا تصدقوا كل ما جاء فيه) فقد لخص بهذه العبارة البسيطة كتباً تحدثت عن الأهداف التي من أجلها ضُخّمت أحداث تاريخية وقُزّمت أعمال أخرى تبعاً لأهواء مؤلفيها ورغباتهم المشبوهة بينما سعى إيديولوجيون آخرون إلى تشويه أو مدح أنظمة سياسية تبعاً لمصالحهم مبتعدين عن الأصول العلمية التي تنادي بالموضوعية والحيادية وتنزيه الأعمال الإنسانية التاريخية من التحيز.

   ومع ذلك نجد من يؤمن بأن شخصية الباحث لا يمكن أن تتحكم في نتاجه أيّاً كان هذا النتاج ( شعراً أو تاريخاً أو روايةً….) كما ورد عند النقاد الذين قالوا بنظرية موت المؤلف في دراستهم للعمل الأدبي مثل رولان بارت الذي تبنى نظرية التلحليل البنيوي للعمل الأدبي ودراسة النص كظاهرة لغوية مستقلة وقد راجع أصحاب هذه النظرية أصول نظريتهم مما دفعهم إلى تعديل عناصرها فوضعوا نظريتهم الجديدة لتحليل العمل الأدبي (البنيوية التكوينية التكاملية) والتي اعتبرت فيها العوامل الخارجية كحياة المؤلف وشخصيته والبيئة للنص الأدبي عناصر مؤثرة في تحليله، وعليه يبقى مجال العلوم الإنسانية والتاريخ باحثاً عن البراءة التي شحّ بها زماننا.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights