2024
Adsense
قصص وروايات

ضفاف القلق

عبدالله بن حمدان الفارسي

في ليلة شتاء قاسية البرودة ليست كمثيلاتها، استوقفها مجبرًا ودون وعي مسبق لما سيترتب عليه هذا الفعل، رغم أن فعلته هذه لم تتجاوز المباح، ولكن خشية وتجنبًا من ألسنة القذف وجمر الكلمات، والتي منبعها أفواه الدمن ومكامنها، والتحليل المتعفن المترسب في غياهب بعض العقول، فقد عانقه وانتابه ولو لبرهة من الزمن بعض التوجس والارتياب من تلك النظرات المتوهجة والظنون الموجهة إليه، ولا ينكر سرًا أو يخفيه بأن الخوف كان متسيدًا تلك اللحظات منها وعليها.

ولكن هناك أمور لا بد من الوقوف عليها وحسم مصيرها، فبعض المواقف لا تقبل أنصاف الحلول، ولا يجدِي معها التساهل والتغاضي، لا سيما عندما يكون التظليل موجودًا وتنعدم فيها الشفافية، وتتفاقم معها حواجز التوتر والريب، وتتشابك معها التأويلات الهادمة وضبابية الرؤى، فقد آن موعد الإفصاح.

قرر في لحظة طيش اليائس البائس من التقوقع خلف الأوهام الشائكة كسر حاجز الرهبة، وتحمل تبعات ذلك التصرف الأرعن، فأزال من على كاهله رداء الخوف، وأماط لثام الخجل عنه، وهم بامتطاء موجة الصمت الهائج في قلبه، مد مشاعره لها طاهرة مطرزة بعناقيد النقاء، آملاً معانقة أنفاسها على شريعة سمحاء، تحت ظلال أرائك الوفاء والولاء؛ من أجل سنوات الحب الصامت تعهد بالإفصاح عن ذلك المكنون الجاثم على قلبه.

سنوات صُنفت على أنها من أروع ما مضى من عمره، القرب منها هو الأجمل، والبعد عنها لا يقل لذة ولا نشوة من قربها، نمت مشاعره لها في أحشاء زمن لا يعترف إلا بأعراف لا تقبل أنصاف الحلول، وتقاليد صارمة، التنفس فيها خارج الأطر المتعارف عليها أحكام لا ترضخ للاستئناف، من أجلها ومعها ارتسمت في مخيلته لوحات باهتة غير واضحة المعالم والشخوص، يعيش معها تحت سقف الخيال، يحلق بأفكاره فرحا، ويحتسي مع طيفها كؤوس الأمل، يكتنف أحلامه حتى فاضت بها أقداح الألم من الكتمان.

توشح الجراءة وتقلد أوسمة الفصاحة، واستلهم عبارات الحب والغرام من قواميس العشاق، شد رحال العزم، استجمع شتات أفكاره المتبعثرة بين أكوام الخوف، ولملم كلماته المتلعثمة على صفحة لسانه، في تلك الليلة رغم قسوتها وهيبتها، استشعر بآتون الحب يؤجج نبضات قلبه، تمردت بنات فكره على الاعتياد، وحلقت خارج نطاق المعتاد، تسلطنت الكلمات على لسانه، لم يأبه بمن حوله؛ استشعر لحظتها بأن الكون خالٍ إلا منه ومنها.

تواجها، أو بالأحرى واجهها ليفرغ مخزون قلبه ومحتواه، افترش لها قلبه، وأوسد لها جوارحه، وجعل من أنفاسه غطاء يدثرها به ويزملها، وهي صامتة مسترسلة في الإصغاء، وعيناها تعزف على أوتار الأمل كما توحيان إليه، مما جعله يفيض قولًا ويستفيض شرحا، مبديًا رغبته التي تعايش معها الضراء والسراء حتى هذه اللحظة.

هكذا بدت له الدنيا تتراقص على عزف كلماته، وبابتسامتها المستوحاة من عالم الخيال الجميل الساحر! توقف عن الإسهاب في حديثه على سبيل إتاحة فرصة الحديث لها، وقلبه معلق على أبراج صمتها القابع على ضفاف القلق، وتفتحت عيناه وازدادت اتساعا، في انتظار ما ستتفوه به شفتاها المتوردتان، هي تكاد تنطق بها وهو متحفز بشغف لسماعها، وهما على ذلك الحال إذ بمنادٍ يقول له: انهض حان موعد مناوبتك.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights