ميثاق
بقلم /عبد الله بن حمدان الفارسي
ما زلت على العهد، أصون الود وأحفظ ما كان وما لم يكن، لم تتغير ملامح مشاعري، ولم تتغير اتجاهاتي ولا توجهاتي نحوك رغم المسافات وتعاقب الأزمنة، كل الأماكن تتنفس أنفاسك، وكل الذكريات تأسرني إليك.
هنا وهناك، فضاءٌ وأرضٌ، كلها تنتمي منكِ وإليكِ، كأنكِ أنشودة كلاسيكية المذهب، نورانية المبسم ،أنتِ أسورة قيصر وصولجان كسرى، أنتِ مشكاة الماضي والحاضر، عطرك يا سيدتي، ما زال عابقا على خد الزمان وعنوانا لكل عنوان، تزكم رائحته زوايا عقلي ومحاريب قلبي.
لم أعد قادرا على تهميش عاداتي واعتياداتي المعهودة معك، ارتيادي اليومي لذلك المقهى المطل على الشاطئ، وانزوائي في تلك الزاوية الخالية إلا من طيفك، أتصفح صحيفتي المفضلة أستشف منها الأحداث ومعطيات الحياة، تزامنا مع وجهك الطاغي حضوره بين الكلمات، ذلك الوجه المتبلور في مخيلتي، قد يكون مختفيا عن المكان، ولكن ما زال يحتضنه الزمان، كعهدك بي، أستهويها قهوة عربية سادة؛ فأنا رجل شرقي، فبالرغم من عصرنة نهجي وفكري فإني لم أتجرد من أصالتي.
عند فراغ فنجاني أظل أحملق فيما تبقى من قهوتي متعمقا في ملامحها الباهتة، أتتبع تفاصيلها وكأنها خارطة تقودني إلى دهاليزك المتأنقة، أفترش بخيالي المكان وأمتطي بواقعي الزمان.
إن علاقتي وانتمائي لهذه الزاوية وارتباطي بهذه الطاولة المزخرفة بفسيفساء رومانية، هو بمثابة ميثاق لا يمكن الحياد عنه، وها أنا على العهد والوعد باقٍ، هل أنتِ يا سيدتي كما التقيتك أول مرة؟ امرأة تتملك سلطة الاستيطان المباح، امرأه على ثغرها ترتسم ترانيم الياسمين، وفي عينيها يم يحتويه بهاء أخضر قرمزي اللون.
ألا زلتِ امرأة تتنفس عشقا بوقار الأتقياء، يزهر الود على وجنتيها، وتختال تيها حين تحدثك، تبهرك عندما تلامس أحرفها صفحات قلبك، وتطرق بكلماتها أجراس عقلك، وعلى وقع خطواتها يتمايل الكون فخرا وزهوا، وتزداد الكواكب بريقا، أي امرأة أنتِ؟! فما زلتُ أستهوي تذكر أدق تفاصيلها.
سيدتي، كما كنت أمارس العشق عطشا وشوقا إليك، ولكن بطريقة المعتكف الناسك، عشق بريء عسجدي الجوهر، عفيف المشاعر عقلا وقلبا.