الليل.. يأخذ الأرواح للغفران
شريفة بنت راشد القطيطية
الروح.. تلك هي الكائن الطاهر العابر، التي تقتات من منابع الجمال وتنتقي وليفها دون أن تشعر، قد تبعد لمسافات وأميال وتعرف جيدًا أنها تصل لأي مكان أرادت بغمضة عين ولهفة خاطر وفزة قلب!، وقد تأتيك باكية مقهورة من صدّ أو جفى ولكنها تألف الليل بكل دواخله وعذاباته وبرمجته للتراكم العاطفي، وقد تقسو أيضًا على روح أخرى تبادلها نفس الشعور لأنها لا تريد لها نفس المصير، الليل يأخذ الأرواح إلى الغفران ويحنن قلوب عليها، الليل قائد معارك كبرى وخائض بين الجفن والعين يطرز الأمل في كؤوس من نور القمر، ويسجد للهلال مُرحبًا بطلته، ومعاودًا للأرواح يأخذها لغسل الذنوب لتلمع الطهارة دون أذى لأحد.
تختارك الروح وتنضم إليك وتضمك إليها، وتناديك وتشهدك الإلتزام والثقة والاستقبال، فما أقسى أن يؤلمنا الجزاء عندما نفقد العطاء وما أصعب اللحظات على أسير الروح، تلك أشياء لن يتقبلها عقل وقد يساندها القلب؛ لأنه تلطخ بالوله، وتعمق بشغف حامي لتلك الروح، وأسدل ستار العافية، وأسهم بالتدريج في خطف بهجتك، وأتعب الفؤاد، وأدمى العين!.
تأتي كمن يختلس زيارة لحبيب، ويتخفى على هيئة طيف ويمارس فن المغامرة بإسطول قُبل وحقل بَهار بين الضلوع، و يعاملك على أنك الذنب وهو الخطيئة التي ترتكب في ليالي الشوق وصرير الروح العالقة بين الأمرين. المكاسب لا تتخذ أمرًا هنا ولن تعدك بشيء، ولن تأخذك لذات الجمال الذي تبحث عنه، ولن تمنحك ثقة من تلك الروح الآخذة في النكران والتعنت، ولعلها خيرة أن يظل الحب وهمًا وينام من تعبه وقت إختناق الأماني وعبث الصلة بينهما، ويصحو على دمعة الذي أعرق الأحلام.
الساقطون بين الجفن والعين تلتقطهم الأنفاس ويغلبهم الحنين، ويزداد عليهم النعاس من وطأة الألم ولا ينامون.. الروح تأخذك شرقًا وغربًا ولا تتمنى لك الخير، دائمًا نرتكب الأخطاء بسببها ونعطل صلتنا بالعالم من حولنا؛ لتبقى هي تطلب الغفران فوق سرير الغيم.
العدالة أن الليل قائد محنك يأخذها بلا هوادة لتخوض المعارك وتتقابل وجهًا لوجه بالعدو، ويستل السيوف ويأمرها بتوطيد العلاقة بالدعاء؛ ليغفر الله ما تقدم من ذنب، ويرسلها هادئة مطمئنة بأن الصباح نادل محترم يقدم لك صباح الخير على ورق الشمس المصفر لحظة شروق، ويتصافح مع النفس بأن لا أحد يستحق، ويذهب عنك الوسواس أن من نحبهم يغادرون الهلع، وسيمطرون علينا تحايا وهدايا ونجدهم في أعماقنا يقتنون الغرف المطلية بالزجاج، ويتآمرون علينا لنطلب الغفران في ليلة صفح ومودة.