قصاصات من الواقع
عبدالله بن حمدان الفارسي
١ – من البديهيات المُسلَّم بها أن المرء كلما ازداد تحصيله العلمي والمعرفي يكون ذا أخلاق عالية، قد اكتسبها من خلال اطلاعه الواسع التي استسقاها عقله من أمهات الكتب، واندماجه مع المميزين سواء زملاء مهنة أو تعليم أو اختلاط مجتمعي، أو ممن يقومون على غرس كافة المبادئ النبيلة، ومكارم الأخلاق والآداب فيه: نظرا لأن ما يوّرثه العلم للإنسان من الطبيعي أن يكون ذا عائد إيجابي على حياته الشخصية وعلى من حوله، وبالتالي نظرة المجتمع للمرء المتعلم دائما ما يسبقها التفاؤل؛ من حيث لا يأتي من العلم والمتعلم إلا ما هو خير، لذا نجد أغلبنا يبالغ في حكمه التفاؤلي عليه -المتعلم- بالإيجابية المفرطة أحيانا، في حين نصاب بالصدمة والإحباط عند اكتشافنا لهذا المتعلم الذي يحمل على ظهره العديد من الشهادات العلمية، ويثقل كاهله الشكلي بها، في ذات الوقت يخلو بئر عقله من أية دلالة ولو ضئيلة على عقلية أخلاقية راقية متأدبة.
٢ – لا يخلو أي مجتمع من الظواهر الإيجابية والسلبية وهذا أمرٌ منطقي ومتفق عليه، والمدينة الفاضلة ليس لها وجود إلا في مخيلة أفلاطون، ولكن لا يمكن لنا والآخرون معنا التخلي عن السعي من أجل خلق مجتمع مثالي قدر الإمكان، لأن كلما وُجدت المثالية في أي مكان أضفت عليه الأمن والأمان، والاستقرار والتعايش السلمي بين أفراده والمنتمين إليه، وتنامت قدرات الفرد فيه، وزاد مردوده النافع للبيئة الموجود فيها، ولا يكون ذلك إلا من خلال الشريحة المتعلمة من الناس، والمتزودة بعقار الثقافة والتجارب المعرفية والاتزان الفكري، والابتعاد عن ما يؤجج نار التفرقة والعنصرية والنعرات ذات التوجه الانشقاقي والتفرقة البشرية من حيث الجنس واللون والنسب.
٣ – الميول والانتماء العشوائي ووقفة الضد الأرعن لكل ما نظنه، هذا من شيعتي وهذا من عدوي منهج خاطئ يتبعه بعض منا، وبه نمارس سلوكيات لا تَمُتْ للإسلام ولا للأخلاق، وليست لها صلة بالمنفعة عامة، فمن الواجب علينا التصدي لمثل هذه العوامل التي من شأنها إحداث الشق الذي بتوسعته يكون حفرة مأساوية تلتهم الجميع دون استثناء إلا من نأى بعقله عن تلك الهفوات العنصرية، والابتعاد عن حافة الهاوية.
٤ – المجاملة التي يكون باطنها أخلاقي وأدبي وهدفها رأب الصدع وتطييب وجبر الخواطر ولمْ الشمل سلوك حميد ومرغوب، وفي هذه الحالة يسمى تجمل، وأما إن كان المسعى من وراء تلك المجاملة التوصل لغايات ذات شبهة، وتحوم حولها الشكوك المريبة، والمقاصد السوداوية فذلك تملق وتسلق وتسابق من أجل الوصول لأهداف غير مستحقة فتلك هي أفعال مذمومة؛ نظرا لعدم شرعية وسائل العبور.
٥ – النقد والانتقاد وجهان مختلفان لعملة واحدة، وأوجه الاختلاف بينهما هو أن النقد يكون منهجي الغاية مدروس، ويبحث عن بواطن الضعف والقوة للتصحيح والتصويب، ويكون مركزا على الفعل لا على الفاعل ويكون عاملا فاعلا من أجل المساعدة والبناء، أما الانتقاد عادة ما يكون موجها للشخص دون عمله بهدف التجريح وإظهار بواطن الخلل فيه -الشخص- وهدم صومعته الإبداعية، وتقييد حركة عقله.
٦- بعضنا يطلق حكمه جزافا على الأشخاص، فقط من خلال الخَلْق دون الخُلُق، ويبني أفكاره على الظواهر بخلاف البواطن؛ مما يجعله فريسة لبراثن حكمه، وظنونه السلبية، والانغماس في وحل الأحكام المتسرعة الظالمة، ومثل هذه العينات كثيرة بيننا، وهي فعلا فاقدة للضوابط الأخلاقية والحس الأدبي، علما بأنها تدعي المثالية وهي فارغة منها تماما كالخشب المسندة.
٧ – صنّاع المحتوى تكاثرت أعدادهم، وتنامت أرقام المعجبين بهم، قد يكون إجحافا في حق بعضهم بالحكم عليهم بالنشاز؛ لأن ما يقومون بتقديمه محتوى راقٍ هدفه نبيل، خدمة للمجتمع وافراده، وأما السواد الأعظم منهم هم من ذوي الإعاقة الفكرية، وترهل العقل، ويفتقدون للثقافة الإعلامية الراقية المدروسة، وجل أهدافها هو كيفية ملء فراغ المعدة الخاوية، وإهمال الجانب العقلي وطرق تغذيته بما يفيد المجتمع، تساؤلي من المسئول عن تنامي هذه الخلايا؟ وما الطرق لردعها أو تعديل منهج سلوكها لجعله يصب في مصلحة البلاد بصفة عامة؟
٨ – مهارة الاستعطاف أصبحت مهارة ينتهجها ذوو الممارسات غير السوية ممن داسوا على رقاب الناس وقت الرخاء، واستباحوا رشف دمائهم، وأشاحوا بوجوههم عن الحق، وعندما تدور رحى الزمن عليهم، يقومون باستعراض حمل الوداعة في الحلبات العامة؛ لأجل كسب استعطاف القلوب، في حين هم من كانوا سببا في إيقاد نار العوز في قلوب من يتوسلون إليهم اليوم لطلب العون .
٩ – نحن الآن نحتاج لرص الصفوف، وتشابك الأيدي، وتعانق القلوب والعقول، وسد الثغرات فيما بيننا؛ لإثبات صدق الانتماء لهذا الوطن والالتفاف حول قيادتنا، وعدم الانصياع والاستماع لأبواق الفتنة والتفرقة؛ للتأكيد على أن الغير ليس أكثر حرصا منا على وطننا ومدخراته، ولن نسمح لهم أن يعلمونا حب الوطن والإخلاص له.
١٠ – يجب أن نستفيد من تجارب الأخرين وما آلت إليه أوضاعهم في أوطانهم على كافة الأصعدة ، لذلك من الضرورة بمكان تجاوز حقول ألغام الفتنة المزروعة في طريق التنمية الوطنية، ونبذ التوجهات والتيارات الضالة الخبيثة التي تسعى للنيل من وحدة الوطن لأهداف تخدم أعداءه، واختلاف وجهات النظر بين فئات المجتمع أمر مستحب؛ لأن في الاختلاف وبنقاش العقلاء عادة ما تكون نتائجه بنّاءة؛ لأن حوار العقل دائما تكون بوصلته موجهة إلى القبلة الصحيحة مهما تعددت السبل إليها، في النهاية الهدف واحد.