مغالطة التكلفة الغارقة .. كيف تؤثر الدوافع النفسية في اتخاذ القرارات الخاطئة

خلف بن خميس المعولي
يحدث كثيرًا أن تتمسك بعلاقة سامة رغم علمك بمدى تأثيرها السلبي عليك، ولكنك تتعلق بها أكثر وترفض الانفصال عنها على أمل أن تتغير للأفضل في المستقبل. أو أن تواصل الاستثمار في مشروع تسبَّب لك في خسائر هائلة حتى أصبح على حافة الهاوية من العجز المالي، ومع ذلك تُصر على دفع تكاليف مضاعفة لإعادة ترميمه وتحسينه. أو أن تواصل دراسة تخصص شبه معدوم الفرص في سوق العمل من أجل الحصول على شهادة الماجستير والدكتوراة. أو أن تستهلك وقتك في الأسى على أخطاء ارتكبتها في الماضي الذي لن يعود، بدلاً من أن تتعلم منها وتركز على تحسين واقعك في الحاضر وتتناسى ما حصل لك في الماضي. أو أن تكرر نفس الخطوات التي قادتك إلى الفشل بدلاً من النجاح. وقس على ذلك الكثير من الأمثلة في حياتك اليومية. فنحن عندما نغرق لا نتدارك الأمر بسرعة بحثًا عن طوق نجاة، بل نغرق أنفسنا أكثر من غير وعي، وهذا ما يُدعى بمغالطة “التكلفة الغارقة” أو “السفينة الغارقة”.
التكلفة الغارقة هي مفهوم اقتصادي يُشير إلى التكاليف التي تم تكبدها ولا يمكن استردادها، ولا تعود منها أي عوائد. تحدث التكلفة الغارقة في العديد من القطاعات الاقتصادية مثل الصناعة، والتكنولوجيا، والبناء، والاستثمار العقاري، ومجال النقل البحري والجوي، وغيرها من القطاعات الحكومية والخاصة. يحدث ذلك عندما يُصر المستثمرون ورواد الأعمال على تكبد تكاليف إضافية لمشاريع تكون احتمالية خسارتها شبه مضمونة ومؤكدة.
فعلى سبيل المثال، إذا كانت هناك شركة لصناعة الأجهزة الإلكترونية قد أنتجت أجهزة حواسيب بتكلفة إنتاج باهظة، وكان الطلب عليها ضئيلًا جدًا مقارنة بعرضها من المنتجات، فإن النتيجة ستكون خسائر هائلة للشركة. وعوضًا عن الإقرار بحتمية فشل المشروع، ارتكب المستثمرون في الشركة مغالطة التكلفة الغارقة عندما أصّروا في الاستثمار فيه.
مغالطة التكلفة الغارقة ..
هي طريقة تفكير خاطئة تجعل العقل البشري يميل إلى الاستمرار في الاستثمار في مشروع خاسر، بناءً على الوقت أو المال أو الجهد الذي تم استثماره فيه. يولد لدى الإنسان دافعٌ لاتخاذ قرارات غير عقلانية، بحيث يُقرر مواصلة الاستثمار في المشروع بناءً على التكاليف السابقة التي تكبدها، متجاهلًا فشله المحتمل. وهكذا، يدفع المزيد من التكاليف للمشروع، على الرغم من أن تكلفة المشروع لا تحدد مقدار نجاحه في المستقبل.
الدوافع النفسية ..
تحرك لدى الإنسان دوافع نفسية تؤثر في آلية صنع القرار، مما قد يؤدي إلى الوقوع في مغالطات منطقية، وبالتالي اتخاذ قرارات غير عقلانية. لذلك، فإن وقوع الإنسان في مغالطة التكلفة الغارقة أثناء اتخاذ قراراته يكون نتيجة وجود دوافع نفسية تتحكم في سلوكه بشكل غير واعٍ، ومن هذه الدوافع:
1- تجنب الخسارة ..
يميل العقل البشري إلى تجنب الخسارة أكثر من السعي لتحقيق المكسب، فيبذل كل ما في وسعه لتعويض ما خسره، دون أن يضع في حسابه أنه قد يُغرق نفسه بمزيد من الخسائر. لذلك، يميل إلى تفضيل الاستثمار في مشروع فاشل بدلاً من تحمل فكرة خسارته.
2- الانحياز العاطفي ..
عندما يشعر الإنسان بالمسؤولية تجاه مشروع ما، فقد يولد لديه ارتباط عاطفي به، مما يدفعه إلى السعي للحفاظ عليه. يحدث هذا كثيرًا، خاصة في العلاقات العاطفية، حيث يشعر أحد الأطراف في العلاقة بالمسؤولية، مما يولد لديه دافعًا شديدًا للحفاظ عليها حتى لو كانت العلاقة سامة.
3- الانحياز للثبات ..
يميل العقل البشري إلى الاستقرار والثبات، ولهذا قد يواصل المستثمر السير وفق الخطة الأصلية التي وضعها مُسبقًا دون أن يحيد عنها، حتى لو كلفه ذلك خسائر فادحة.
4- الالتزام المتصاعد ..
يقصد بالالتزام المتصاعد أن حجم الاستثمار في المشروع يحدد مدى التزام الشخص به؛ فكلما زاد حجم الاستثمار، زادت الرغبة في الالتزام بالمشروع.
وختامًا، لنتذكر أن التكاليف الباهظة التي دفعناها لمشاريع خاسرة لا ينبغي أن تؤثر على قراراتنا الحالية. يجب أن نعمل على تدريب عقولنا لتقبل الخسائر طالما أنه لا جدوى من الندم عليها. ومن ثم، نعيد التفكير بعناية من أجل اتخاذ قرارات استراتيجية تساعدنا على بناء استثمارات ناجحة أخرى.