الأحد: 25 مايو 2025م - العدد رقم 2561
Adsense
مقالات صحفية

نقطة أول السطر .. 25 أبريل حيث لا تزال أمي تشرق من المغرب

عادل بن حميد الجامعي

هذا التاريخ لم يعد عاديًا..

لم يعد يمرّ كما تمرّ الأيام؛ ففيه رحيلك أمي..

فيه سقط شيء منّي لا يُعوّض، فيه انطفأت شمعة لم تكن تُضيء لي الطريق فحسب، بل كانت النور ذاته..

25 أبريل…

أصبح التاريخ الذي لا يُنسى،

العلامة التي لا تُمحى، الفقد الذي لا يُشفى.

أمي..

رحيلك لم يكن موتًا فقط،

كان اهتزازًا في جذع الحياة، كان زلزالًا تحت قدمي، أزال استقراري، بعثرني.. حتى أني من هول الموقف لم أبك ساعة الفقد، وبقيت مشدوها.. سالت دمعتي بعد انقضاء العزاء ثلاثا، وقدحت القريحة قصيدة الرثاء بعد 20 عاما على الفقد، مقصر أنا حتى في حزني..

أمي كلما ضاقت الأنفاس.. لجأت إلى محرابك وقبلت موضع سجودك ورجوت اللطيف الرحيم لقياك..

أماه..

من أين أبدأ حكاية الحنين؟!

كل الأشياء بعدك باهتة، صوت الفجر، رائحة الخبز، سجادة الصلاة، عبق الدعاء.. كلها فقدت ملمسها دون يديك..

أحنّ إلى لمستك على رأسي،

إلى ابتسامتك حين أعود متعبًا،

إلى دعائك لي بلسانك العذب الذي كان يفتح لي أبواب الرزق قبل أن أصلها.

أفتقدك أمي كما يُفتقد الربيع في صقيع المنافي، كما تُفتقد الروح حين يُطفئها البُعد.

رحلتِ أمي..

وما عاد في الدنيا من يشبهك تمامًا،

لكن الله لطيف خبير، والحمد لله لم يتركني وحيدًا في صقيع غيابك، بل أراكِ..

في أخواتي الحبيبات..

في “ميمون” التي تلبس الحكمة كما كنتِ، تُجيد الصمود في وجه الأيام.. وتُضيء العتمة بعقلها الراجح، وقلبها الدافق..

أراكِ في “خديج”،

كلما نطقت بمحبة، أو سكبت حنانها دون شرط، فهي سرك وضلعك.. أستشعر في حضرتها كيف كنتِ تحبينني كما أنا.. بلا شك ولا شرط

أراكِ في “رحيم”،

ذلك القلب الرهيف، اللطيف، المُرهف، الذي يسمع وجعي دون أن أتكلم، كأنكِ تسكنينه، تنبضين فيه.

وأراكِ في “كاوان”،

عفويتها التي تُضحكني وتُربكني في الوقت ذاته، شجاعتها حين تقول ما لا يقال، كأنكِ تمشين في خطواتها، ترفعين رأسي حين أهندسها مطرقا.

وأراكِ في “عصمت”،

دعاؤها الذي يُطوّقني، ولمستها التي تردّ عني التعب، كأنكِ تمدّين يدك من خلالها، تُعيدين لي طمأنينتي كلما خفت.

وفي “ثين..”

تفيض أنسًا ودفئًا، تحتويني إذا فاضت عليّ الحياة، تفتح صدرها كما كنتِ تفعلين، دون شروط، دون خوف.

رغم أني أفتقدكِ كثيرًا أمي..

وأشتاق لصوتك، ووجهك، ودفء حضنك الذي لا يُعوّض؛ إلا أن ربي آنسني، زرع في أخواتي بذورك النبيلة، وسقاها من صفاتك الجليلة،

فكل واحدة منهن، مرآة لجزءٍ منكِ،

وحين أجتمع بأطيافهن في حضن أبي علي حفظه الله، أشعر أنكِ لم ترحلي.. بل تناثرتِ فيهن، نورًا.. وذكرى.. ورحمة.. إياك أحب

أعلم أن الموت حق، وأعلم أن لكل أجلٍ كتاب، لكنني ما زلت طفلًا.. في حنجرتي حين أذكرك أكتم البكاء لأنني كبير كما يقول طفل صغير، وأتألم لأنني صغيرٌ مهما بلغت عتيا.

أمّي.. غاليتي.. حبيبتي..

رحيلك لم يجعلني أضعف،

لكنه جعلني أشدّ توكّلًا على الله، أكثر رجاء، وأرجو أن أكون أصدق دعاء.. صرت حين أدعو، أدعو لأراك،

صرت حين أتقرب، أرجو أن يكون في قربي سبيل للقائك، رجوت ربي أن يجعل بيني وبينك لقاء في دار السلام، وأن نلتقي في ظل العرش، لا فقد هناك، ولا غياب.

أعلم يا أمي أنك الآن في دار لا يمسّها الهمّ، ولا يعرف فيها القلب وجع الحياة، وأنك اليوم أقرب إلى الرحمن من أي وقتٍ مضى، أماه من لي بقبلة على الجبين؟ من لي بضمّة لا أخرج منها إلا مطمئنًا؟

اللهم يا أرحم الراحمين..

يا من جعلت قلب أمي صورة من رحمتك، اللهم اجعل أمي من المحبورات، المكرّمات، اللهم اجعلها من الضاحكات المستبشرات، اللهم آنس وحدتها في قبرها، واجعل فيه نورًا يمتد من سُرر الجنة.

اللهم يا من لا يضيع عنده الودّ، ولا تُنسى عنده الدعوات، اجعلني من البارين بها بعد موتها، واجعل دعائي لها نهرًا لا ينقطع، وأجرًا لا يُحبس،

وأملاً في لقائها لا يخيب.

اللهم ربي إني أشتاقها،

أشتاق صوتها، يديها، حضنها،

فارزقني ربي لقاها عندك، تحت ظل عرشك، في روضة من رياضك، برفقة نبينا ومصطفاك، حيث تأخذ بيدي، وتلمس وجهي بيدها، وتُقبّلني كما كانت، وأقبّلها كما لم أستطع أن أفعل في المرة الأخيرة.

اللهم إني عبدك، ولد أمتك..

فارزقني رؤيتها في المنام، وتلك النظرة من عينيها.. التي كانت تغني عن الدنيا وما فيها. اللهم لا تحرمني منها، اللهم لا تحرمني منها، اللهم لا تحرمني منها..

تصبحين حبيبة رحمن السماء والأرض ورحيمهما.. إياك أحب…

الجمعة الزهراء 26 شوال 1446 هـ

الموافق 25 أبريل نيسان 2025،

ابن يرجو عفو ربه ورحمة قربه

ولذيذ عطفه لأمه وأبيه وأخيه وأخته

وهو معهم فهو الأشد فقرا إلى عفو ربه..

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights