زد ميديا (Z-Media) والضجة الأخيرة
أحمد بن سليم الحراصي
يُقال أن مال البخيل يأكله العيار(المحتال)، والذي يأتي بسهولة يختفي بسهولة.
تداول مغردون مؤخرا على برنامج (تويتر) وسمًا يحمل عنوان (زد-ميديا). اشتكى فيه الكثير من العمانيين عن شركة وهمية استثمارية تدعى بالإنجليزية (Z-Media) وهي عبارة عن تطبيق والغريب في الأمر أن هذا التطبيق غير موجود على Apple store أو Google play ما يعني أن الأمر فيه شيء من الريبة؛ فالتطبيقات الآمنة تجدها دائما موجودة في السوق المرتبط بالهاتف.
فكرة البرنامج هو عمل إعجاب واشتراك لصناع المحتوى في أحد البرامج الثلاثة: التك توك (Tik Tok)، واليوتيوب (YouTube)، والفيس بوك (Facebook). يهدف إلى رفع المشاهدات لصناع المحتوى ما يمكنهم من عمل الإعلانات التي تساعد على رفع مدخولهم، إذًا أنت تعمل معهم كموظف يعمل على وضع الإعجاب والاشتراك لكل مهمة وتكسب من خلالها عملة رقمية ب USDT وهي عملة تعادل الدولار ، إذًا هي عملة رقمية يصعب تتبعها ومعرفة أصحابها مثل عملة البتكوين (Bitcoin) وهذا ينبئ عن دليل آخر لعملية النصب والاحتيال ، مع إمكانية تحويل هذه العملة الرقمية إلى عملة حقيقية وعملة البلد الذي تنتمي إليه وذلك عن طريق سحب هذه العملة الرقمية من برنامج Z-Media إلى برنامج بايننس (Binance) وهو برنامج موثوق يوجد في تطبيق الهاتف في حين أن العملة الرقمية تشتريها من برنامج بايننس عن طريق عمل حساب خاص بك ،وتشتري العملة الرقمية بوديعة تدفعها من حسابك وإرسالها إلى Z-Media ، ثم تعمل على اختيار المرحلة التي تناسب الوديعة التي أودعتها من برنامج Z-Media ، حيث توجد 8 مراحل وكل مرحلة تتفاوت في مبلغ الوديعة وعدد المهام اليومية التي يجب عليك تأديتها تصاعديًا.
البرنامج فكرته مقنعة لمن لا يتعمق ويبحث عنه كثيرًا، يقوم البرنامج بإعطائك مهلة مدتها 7 أيام وهي مهمة تجريبية تعمل فيها كل يوم 3 مهام وتربح من كل مهمة دولارًا واحدًا ما يعادل 21 دولارا خلال أسبوع وبإمكانك سحبها وتحويلها إلى عملة حقيقية، وهذا فقط ليجعلك تثق بمصداقيته، ثم يدفعك ويشجعك على الاشتراك لكسب مزيد من المال وذلك بإيداع الوديعة.
ثم تعمل يوميا على تخليص المهام المناطة بك وكأنك موظف في الشركة لمدة شهر، ففي الشهر الأول ستسترد أموالك التي دفعتها كوديعة أولى مع ربح يزيد قليلا، وثم الشهر الذي يليه ستأخذ ربحك وهكذا يتوالى عليك الربح بنفس سعر الوديعة الأولى التي أودعتها مع فارق الربح لمدة سنة كاملة، لكن الذي حدث الآن والذي جعل من هذه الشركة تثير ضجة كبيرة بالأمس القريب في تويتر، هو السبب الذي تحاشاه الكثير من المشتركين والذي نقول فيه دائما احذر ما تتمناه وهو فرار الشركة وسحبها أموال الكثير من المشتركين الجدد فما الذي حدث؟
سأخبركم هنا قصة بداية الشركة وتكوينها في السلطنة وفي الخليج كافة، بدأت الشركة في مارس 2022 أي قبل خمسة أشهر تقريبًا ، عملت الشركة هنا أولا على جذب المستثمرين العمانيين وذلك بعمل حفل تعريفي بالشركة وكان الحفل يُقام في واحد من أرقى الفنادق في السلطنة، فندق كراون بلازا حيث يبدأ الحفل وهو حفل تدرج من عدة حفلات سابقة وربما قادمة لجذب قدر أكبر من المستثمرين.
يُخبرني أحد الإخوة وقد حضر حفلًا معهم أنهم كانوا يعملون حفلات مستمرة منذ بداية تأسيسها مع العلم أنها شركة غير معتمدة في السلطنة ولكن يدّعي الأشخاص الذين استضافوا هؤلاء الشباب أنهم أشخاص موثوقين وأن الشركة شركة حقيقية وموثوقة وهم يعملون بها مع العلم أن أعضاء الشركة الذين عملوا الحفل كانوا عمانيون ، أحدهم عرَّف نفسه على أنه الرئيس التنفيذي للشركة واسمه إلياس القسيمي وهو من ولاية بدبد، يمتلك سيارة من نوع شيفرولية كورفيت وهذا كله من أجل جلب الأنظار له وأضف إلى ذلك أن هذا الرجل استضاف الحاضرين ببوفيه فخمة في فندق راقٍ . ليس هنا المهم الآن، المهم هو أين كانت الأجهزة الرقابية من هذه الحفلات التعريفية للشركة في مثل هذا الفندق المعروف؟ نعرف جميعًا أن القانون لا يحمي المغفلين ولكن ماذا عن الشركات الوهمية التي تدخل البلد دون حسيب ورقيب؟ وهل المهم أن تقع المصيبة كي ننتبه؟ ثم أن الشركة انتهجت خطة التسويق الهرمي وهو ممنوع حسب قانون التجارة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 90/55، والتسويق الهرمي هو أن تجلب شخصًا وتحصل على نسبة فائدة دائمة ومن كل الأشخاص الذين يسجلون في البرنامج بواسطتك تحصل على نسبة منهم فتتدفق الأموال من الأشخاص الجدد إلى أعلى الهرم ولكل شخص فائدته من انضمام كل الأشخاص الذين أتوا بعده بمعنى رأس الهرم هو المستفيد الأكبر وأما المتضرر الأكبر هو قاعدة الهرم(الملتحقون الجدد).
إذًا الشركة لم تخسر شيئا، فكل الأموال التي قد ربحها المشتركون هي في الأساس من مشتركين جدد أتوا بعدهم، وعندما زاد العدد واكتنزت الشركة بالأموال انسحبت فتضرر آخر الملتحقين والسبب يعود لأصدقائهم ومعارفهم الذين أخبروهم بهذه الشركة وهي طريقة ذكية انتهجها أولئك الذين عملوا الحفلات وأخبروا الحضور بأن لديهم حصة كبيرة في حالة انضم أشخاص بواسطتهم فامتثلوا المساكين لأمرهم وأغروا أصدقاءهم بها طمعًا في الفائدة المرجوة.
إن هذه القصة وهذا النوع من النصب والاحتيال ليس غريبًا عليَّ فقد شاهدت مسلسل (حظ يا نصيب) حينما قام نصيب ببيع ترابًا لأهل الفريج مدعيًا أنه ترابٌ من الأراضي المقدسة فكانت أول الضحية سببًا لنشر الخبر بأن (نصيب) هذا يبيع التراب بمبلغ ثم يسترده بضعف المبلغ الذي اشتراه في اليوم التالي حتى زاد عدد المشتريين طمعًا في المال ولزيادة حصتهم في خزينتهم وعندما حانت الفرصة ، ابتلع أموالهم كلها فهرب إلى الباطنة وترك أهل الفريج يعانون آلامًا من هذا الاحتيال ويتذكرون نصيب الذي ضحكوا عليه في البداية، لكنه هزمهم في النهاية بذكائه، ومع هذا فأنا لا أصدق ما يحدث في المسلسلات فهو يظل تمثيلا ، فالواقع يقول: لن يفر المجرم من العدالة بجرمه ، ونحن على ثقة تامة بأن السلطات ستحاسب هؤلاء الذين استغلوا الناس البسطاء ولن تجعلهم يفرون بفعلتهم، فلننتظر وإني معكم من المنتظرين.