حريق
خميس بن محسن البادي
شب حريق في ورشةٍ هنا وبمصنعٍ هناك، وفي منجرة بالجوار، وبمخزنٍ في تلكم المنطقة، هذا ما يتجلى لنا للأسف من مشاهد وما يتناهى إلى المسامع بين الحين والآخر عن وقوع هذه الكوارث والعياذ بالله في بعض المواقع للورش التجارية والمناطق الصناعية والمدن الاقتصادية، وأن أبشع هذه الحوادث هي تلكم التي قد تقع- لا قدّر الله- ليلاً أو وقت القيلولة نهاراً في منشأة من مثل هذه المنشآت حيث يكون عمالها رقوداً نظراً لاتخاذ البعض منهم سكناً لهم في حرم المنشأة مقر عملهم، أضف إلى ذلك أن هذه المرافق والمنشآت وفقاً للمخططات تكون اصطفافاً بجانب بعضها ومكشوفة؛ مما يساعد النيران عند اشتعالها للتمدد متى ما وجدت الطريق سالكاً للتوسع والانتشار، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي لأضرار كبيرة لا حصر لها، ومن خلال ما نعرفه وما وقفنا على بعضه وشاهدناه على الواقع أن معظم حوادث الحرائق نجمت عن إهمال وتكدس في المحتويات المختلفة، أكثرها مواد سريعة الاشتعال كالأصباغ والمشتقات النفطية والزيوت والأخشاب والمواد البلاستيكية، مضافًا إليها التمديدات الكهربائية العشوائية، وتعاطي تبغ التدخين(السجائر)من قبل العمال، كما أن تجميع المركبات التالفة والملغاة وصفّها إلى جانب بعضها بغرض الاستفادة من محتوياتها كقطع غيار لا تقل خطورة هي الأخرى نتيجة ارتفاع شديد في حرارة الجو والعوامل المساعدة لاشتعال النيران،(ولنا في حريق منطقة الورش بالوادي الكبير بمحافظة مسقط قبل مدة وجيزة مضت- مثال)، وأن المؤسسات العامة والتي في مقدمتها هيئة الدفاع المدني والإسعاف وهي من الجهات المصرحة بعمل المنشأة، ونعلم ما لدى المختصين بها من أهمية وحرص في شأن ضرورة التزام صاحب العمل بإجراءات السلامة في منشأته، إنما يأتي ذلك بعد البدء في العمل واستمراره حيث تتوالد فوضى احتياجات المواد ومراكمتها بجانب وفوق بعضها مع منتجات ومخلفات المنشأة بعشوائية جلية دون إعطاء أهمية للسلامة الآمنة في بيئة العمل، وذلك نتيجة ما نشأت عليه وتعانيه عمالة هذه المنشآت من انعدام نظام الحياة وافتقارها لطرق اتخاذ إجراءات مقومات السلامة سواء في المسكن أو العمل، حيث أن الكم الأكبر من العمالة المستخدمة جاءت من بيئات حياتية محرومة من أدنى وسائل الحياة المدنية المنَظَّمة؛ وبذلك اتخذت من عيشها وتعاطيها مع المستخدمات في بلدان الإقامة والعمل عدم التنظيم نهجاً في سائر شؤونها كما تعيشه في بلادها.
وفي ظل هذه الحوادث التي تقع من آن لآخر ومع ارتفاع درجات الحرارة ووجود العوامل المساعدة لاشتعال النيران وبغرض الحد من وقوعها والتقليل من خسائر ما يقع منها، لعله من المناسب تفعيل إجراءات أكثر أماناً والتي من بينها تأمين المنشأة المتمثل في العقار والمحتويات والأدوات المشغلة لها والمستخدمة بها، حيث أنه في حال تصدع العقار من حرارة النيران فقد يكون غير آمن للاستخدام؛ فيتوجب هدمه وإعادة بنائه، وهذا قد يتحمله المستأجر صاحب المنشأة فيتضاعف بذلك عليه العبء المالي، والتأمين حماية ووقاية احترازية له من تبعات حوادث الحرائق والكوارث الأخرى وفق شروط عقد التأمين، وضمان توزيع نقاط كهربائية مثبتة على مختلف جدران العقار لتجنب التمديدات العشوائية التي من شأنها أن تساعد على حدوث ماسات كهربائية حارقة، وزرع عبوات لإطفاء الحرائق معبأة بمواد إطفائية مختلفة موزعة على كل زوايا ومواقع العمل في المنشأة، وخزان مياه بحجم مناسب مزوّد بخراطيم تضخ بالهواء المضغوط لاستخدامها عند الضرورة الطارئة، وحيث أنه من المعلوم بأن التيارات الهوائية تساعد على تمدد وسرعة انتشار النيران فإنه وكلما أمكن إغلاق المنشأة من جميع جهاتها فإن ذلك لاشك أنه سيكون عامل مساعد نحو التقليل من سرعة الاشتعال والتوسع لاسيما في وضع السيارات التالفة والملغاة المصفوفة في الأحواش المكشوفة وبعض الصناعات التي لا يؤثر إغلاق موقع صناعتها على العاملين، كالمناجر وورش الألمنيوم والزجاج، وطحن مواد البلاستيك وما شاكلها، وأخيراً أهمية إلحاق العاملين بدورات تدريبية من خلال معاهد تنشأ لهذا الغرض وتمنح المتدرب شهادة اجتياز دورة السلامة في بيئة العمل يقدمها للمختصين متى ما طلب منه ذلك، على أن تكون هذه المعاهد عامة خاضعة لإحدى الجهات المختصة كهيئة الدفاع المدني والإسعاف على غرار معاهد السلامة المرورية التي أنشأها جهاز شرطة عمان السلطانية في محافظات سلطنة عمان، أو خاصة تشرف عليها أيضاً جهة عامة معينة، وفي الحالتين ستتولد عن هذه الخطوة فرص عمل للمواطنين في ذات الوقت، وفي حين سنحظى في البلد بعمالة لديها الوعي التام بمخاطر الحرائق والتي ستعمل مع المتابعة والمراقبة الدورية والمستمرة على تجنب مسببات الحرائق في مواقع العمل وحتى في المسكن.. حفظ الله سلطنة عُمان الغالية وأهلها من كل شر ومكروه..