2024
Adsense
مقالات صحفية

القروي والعاصمة.. (4-15)

خميس بن محسن البادي
بعد توقف دام بضعة أسابيع نعاود سرد بقية أحداث قصة(القروي والعاصمة)فمن خلال الجزء الذي سبق عرفنا أن شكيل انتظم في عمله ودراسته بعد عودته من القرية، وساعد جهينة بتغيير إطار سيارتها وأن الأخيرة راجعت الوزارة التي يعمل بها شكيل والذي أنهى لها معاملتها المنسية هناك، وعرف كل منهما اسم الآخر خلال فترة إنجاز المعاملة،،لنتابع في هذا الجزء جانبًا من بقية الأحداث..

بمضي المُدَد الفائتة اعتاد شكيل على البعد عن القرية وتأقلم مع ذلك كتأقلمه على الرحلة من فترة لأخرى بين قريته والعاصمة، وممارسة برنامجه المعتاد المنقسم بين الوظيفة والدراسة وارتياد الشاطئ وقضاء مآربه الشخصية الخاصة، وبانقضاء عدة أعوام ها هو شكيل ينال شهادة الثانوية العامة ليبحث عن جهة تعليم جامعية تقبل به منتسباً أو منتظماً وفي وقت محدد فقط من اليوم بوصفه موظفاً ما يحول دون تمكنه من الدراسة خلال الفترة الصباحية، فلم يجد في البلد عدا معهد أو معهدين لا تمنح الدارس سوى شهادة الدبلوم بعد دراسة مدتها سنتين، فقرر الدراسة الجامعية عن طريق الإنتساب طمعاً في الحصول على مؤهل أعلى فتقدم بطلبه لجهة عمله التي باركت طلبه ووافقت عليه فكان له ما أراد، وبذلك قدم أوراق طلب انتسابه لإحدى الجامعات المعروفة تبعاً للإجراءات المعمول بها، ومن حسن طالعه أنه وبعد أشهر قلائل افتتحت الجامعة المنتسب إليها فرعاً لها في العاصمة حيث يعمل هو فصار الآن أكثر حرية ولديه وقت من الفراغ، رغم دراسته الجامعية التي تتطلب حضوره لفرع الجامعة من وقت لآخر سواء لحضور بعض المحاضرات إن وجدت وتيسرت أو لاطلاعه على مستجدات التعليم الجامعي والمساقات الدراسية بغية التحضير ليوم الإمتحان فهو لم ينسى ذلك وكتبه ترافقه أينما تواجد، خاصة وقت زيارته لشاطئ البحر الذي سبق وأن ألفه وتجانس وانسجم معه، وفي الوقت ذاته كانت تحدث لقاءات عابرة بينه وجهينة كثيراً ما تكون بطريق الصدفة، يتبع ذلك سلام عن بعد،، حديث عام مقتضب وسريع لا يلبث أن ينتهي بوداع،، ولكن مع هذه الأحداث واللقاءات العابرة التي تحدث بينهما من وقت لآخر، بدأت جهينة تشعر سراً بالإمتنان أكثر نحوه لما قدمه لها من خدمات ولما يختلجه قلبها تجاهه، لكنها في الوقت عينه تقف عاجزة أمام اعتزازه بنفسه وعدم تدخله في شؤونها الشخصية وهي على ثقة أنه الرجل المناسب لها لما لمسته فيه من أخلاق فاضلة وخصال حميدة، وبذلك تجد نفسها في حيرة من أمرها في كيفية جعله يقبل نحوها في الوقت الذي لا يمكنها التكهن بما يمكن أن يكون عليه شكيل من حيث قابليته بالزواج من امرأة لا يعرفها ومن غير بيئته، في حين أن شكيل هناك من تنتظره وهو يمنّي نفسه بالزواج بها وليس بغيرها، ولكن للظروف وهوى النفس في ذلك أشرعة تسيّر بها سفن الحياة إلى مراسي المجهول قد لا يتمنى المرء أن يدركها، لكن في المقابل قد يكون خيراً للمرء أراده الخالق جل شأنه وهو اللطيف الخبير بالعباد، فما هي تلك الظروف؟، ومن سيكون الغانم منهما في ذلك هو أو هي أم كلاهما أم هي مجرد محاولات يتيمة يائسة من جانب جهينة قد تكون ثمة اعتبارات سبباً لوأدها قبل نموّها وتطوّرها إلى ما هو مرتجى ومتوقع؟، خاصة وأن سهيلة في القرية أضحت في سن الزواج منذ بضع سنوات وشكيل يعي ذلك جيداً، وعُرْف سكان ليس قرية شكيل بل أغلب ولايات ومناطق البلاد بأن الفتاة ما إن تبلغ سن الــ(14)سنة تعد عانس ومشكلة عظمى إن لم يتم تزويجها في هذه السن أو بعدها بقليل، وسهيلة بطبيعة الحال تعدت ذلك وشكيل يجد نفسه دون مستوى الزواج بعد، وقد يكون هناك من يرغب بالإقتران بسهيلة وهو أكثر استعداداً من شكيل لذلك، فهل سيفعل شكيل ذلك؟، أم أنه سيترك حبه يتسرب منه ويستسلم لقدر عجزه الذي سببه في المقام الأول المال الضحضاح معه والذي يعلم أنه لا يفي لغرض ما هو يتمناه بنصيبه الشرعي مع سهيلة؟ أسئلة تحتاج للكثير من الأجوبة في شأن هذا الصراع بين الثلاثي جهينة وشكيل وسهيلة.

وحين زار شكيل قريته خلال أجازة نهاية الأسبوع عرف من والدته أمر زواج سهيلة المزمع وحثته على تقدمه بطلب الزواج بها ولو بإعطاء كلمة لأهلها كمقدم بداية لمشروع الزواج، لكنه لم يقوى على ذلك توجساً منه بعدم الوفاء بوعده، وحال لسانه يقول حفظ ماء الوجه أمام أهل قريته خيرٌ له من الحنث بوعده، فاعتذر إلى أمه مبرراً لها سبب خيفته من ذلك طالباً إليها ترك الأمر للظروف، مؤكداً لها بأنه إن كانت سهيلة من حظه ونصيبه سيكون كذلك بأمر الله وحده، وبخلافه فإن ذلك سيكون أيضاً بأمر الله دون سواه، وغادر إلى العاصمة حيث وظيفته وكتب دراسته متجاهلاً كل ما قد يعكر عليه صفو تركيزه على ما هو عازم على نيله بمن في ذلك جهينة فحتى اللحظة هو لا يميل إليها كما هي تتمناه ولا يعلم نية أمانيها تجاهه، ولكن هذه المرة واجهت شكيل منعطفات جديدة لم تكن في حسبانه ولم يكن يتوقع حدوثها ومواجهتها في يوم من أيام حياته، وهو الشاب الذي ليست له أية تجارب أو مغامرات في الحياة باستثناء وظيفته وأداء فرائض صلواته وسائر عباداته ودراسته وشراء مستلزماته وزيارته للبحر وقريته حيث والدته في ذلكم المكان البعيد الذي نشأ وعاش فيه، حتى أنه لم يكن له من الأصدقاء غير زملاء العمل الذين يفترقون بانتهاء اليوم الوظيفي ليكون كلاً في عالمه، هو مع كتبه والبحر وهم في شؤون حياتهم ، إنها جهينة التي جاء كيدها حكيماً ومطلباً تسعى إليه وفق شرع الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والذي لم ترضاه لنفسها إلا على هذا النهج السويّْ، جهينة التي خَبِرَت موقع أكل الكتف سيما وأن لها عهد سابق بالزواج وتعيش في بيئة غير بيئة شكيل الذي أعجبت به وتمنته زوجاً لها، فها هي تحاصره بحكمة الأنثى العاقلة ولا يكاد ينفك منها لتوه إلا ويجدها في واجهته من خلال محاولات تختلقها لتكون في ناظره صُدف، فهي لم تنسى أيضاً كونها تربت على العادات والتقاليد الإسلامية العربية الأصيلة، وأنه من غير اللائق بل من غير الجائز أن تحط من كرامتها على الملأ كأنثى لكن لجرأتها وخبرتها في الحياة وشكيمتها أدوار مجتمعة في شخصها ساهمت على ما هي عازمة عليه ولا تجد فيه محرّماً طالما سيكون ذلك وفق الأطر الشرعية وذلك على النقيض من شكيل الشاب الخجول، وهي حين أقدمت على ذلك لقناعتها أنه من حقها أن تحظى برجل في حياتها حليلاً لها وهي قد وجدته في شكيل، فماذا ستفعل لتحظى بهذا الرجل الذي بدأت تظهر أمام ناظريه على فترات متقاربة، وهل سيقع شكيل في فخها الشرعي الحلال الذي ترومه هي وتسعى إليه؟.

كثُرَ دق جهينة على الأوتار النابضة لـ(شكيل) الذي بدأت عاطفته تتراقص في ذاته على أنغام رؤيته المستمرة لهذه المرأة الفاضلة، وحين بدأ التقارب بينهما ومناقشة أمر الزواج وجدته شبه معدم إلا من دخله الشهري بصفته موظف والمركبة المتواضعة التي اقتناها لاستخدامه وغرفة مستأجرة، فهو لم يخفِ عنها كامل حقيقته عدا نيته بالزواج من سهيلة الذي اعتبره سراً لنفسه ورأى أنه من غير اللائق إطلاع آخر عليه، لكن جهينة تقبلت شكيل كما هو متفقة معه بزواجه منها على أن تساهم بجزء من تكاليف الزواج الذي ارتضته أن يكون بسيطاً ومقتصراً عليهما وأفراد أسرتها فقط توفيراً للتكاليف وتخفيف عبء ذلك عليهما معاً، وبذلك تيسر له أمر مقابلة أهلها لطلبها للزواج وتم لهما ذلك واستقرا في مسكن ورثته هي عن زوجها المتوفى الذي مات قبل سنتين ونيف من زواجه بها في حادث عرضي، وأصبح شكيل زوجاً لامرأة فاضلة سعت إلى أن يكونا لبعضهما وقد تكتم هو على موضوع زواجه حتى عن زملائه في العمل وجعله سراً بالإتفاق مع زوجه جهينة، بحجة أن والدته لا تريد له الزواج عدا من قريته، وحفاظاً على مشاعرها حبّذ عدم معرفتها بأمر زواجه، فإلى متى سيكون هذا الزواج مكتوماً؟، وهل لـ(شكيل) قدرة على إخفاء أمر كهذا عن والدته وهي التي تنتظر اليوم الذي سيصبح فيه ابنها عريساً ورب أسرة أمامها وقبل أن تفارق الحياة الدنيا؟، إذاً تم زواج شكيل من جهينة التي لاءمها في بعلها ورجلها والذي حلمت به وتمنته ونالته أخيراً، لاءمها فيه أخلاقه وصفاته الطيبة وهدوء نفسه، ومرت الأشهر وشكيل زوجاً لجهينة ويحيط ذلك بسرية منه عن أهل قريته ومعارفه وفي القرية قرر ذوي سهيلة زواجها من الشاب القادم إلى قريتهم من مركز الولاية والتي تبعد عنهم نسبياً والذي اختار سهيلة لتكون زوجاً له، ولما عرف شكيل راودته هواجس الأسف على زواج سهيلة بآخر غيره والتي كتمها في نفسه وهو يلوم الظروف التي آلت إلى ما آلت إليه معه في الوقت الذي كان يطمئن فيه نفسه بما كتبه الله له من نصيب مع جهينة التي وجد فيها الزوج الصالحة والتي اعتبرها كنزه وعمله الصالح داعياً الله تعالى أن تكون فاتحة خير له، وبزيارته للقرية بارك لوالد سهيلة زواجها وقد تمنّى لها ولهم حياة طيبة كريمة بينما هم يجهلون زواجه المسبق من جهينة، ولكن تُرى ما هي أحداث مقبل الأيام والأشهر والأعوام؟ ..هذا ما سنعرفه في الجزء اللاحق بإذن الله تعالى.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights