أحسنوا الظن بالناس..
خلفان بن ناصر الرواحي
لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بحسن الظن بالناس والتماس الأعذار لهم، وجاء ذلك في الكتاب والسنة؛ حيث قال تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}. (سورة الحجرات:آية 12). كما وردت العديد من الأحاديث في السنة النبوية تحثنا على إحسان الظن بالآخرين، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَباغَضُوا، وكُونُوا إخْوانًا، ولا يَخْطُبُ الرَّجُلُ علَى خِطْبَةِ أخِيهِ حتَّى يَنْكِحَ أوْ يَتْرُكَ). {البخاري: 5143}.
وفي هذا الحديث دلالة على تحريم سوء الظن بالمسلمين، بالإضافة إلى تحريم العديد من الأمور الأخرى، مثل التجسس والغيبة والنميمة، واحتقار المسلم لأخيه، كما أن سوء الظن بالآخر يسبب العداوة والكره، فوجب على المؤمن أن يحسن الظن بأخيه إلا في حال تبين له غير ذلك، فإذا حدث سوء الظن، ثم تجسس الإنسان على من أساء الظن به، وثبت له الأمر؛ يجب عليه أن يستر ما رأى، وما علم من عورة أخيه؛ ليحظى بالفوز بالستر من الله سبحانه وتعالى يوم تكشف العورات.
فحسن الظن بالناس هي سمة حميدة يتميز بها أصحاب القلوب الصادقة والمحبة للخير لها ولغيرها، فهم يتميزون براحة البال وبشاشة الوجه، قلوبهم سليمة خالية من البغض والكراهية، وهذه الخصلة هي بلا شك من الأمور الواجبة والمهمة في حياة البشر بعض النظر عن الجنس واللون أو الدين، فكلما كان الإنسان سليم القلب كان متقبلاً من الغالبية إن لم يكن الجمع منهم، وخاصة نحن معشر المسلمين، وفي هذا الزمان العصيب الذي اختلطت فيه المفاهيم، وأصبحنا بحاجة ماسة للتمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة، فقد كان خلقه القرآن، قولاً وعملاً، فما أحوجنا لأن نرجع لرشدنا، ونحسن الظن بأنفسنا والآخرين حتى نصل إلى مفهوم حسن الظن الذي يقودنا لقاعدة الفهم العام، وهي ” إن ترجيح جانب الخير على جانب الشر، هو أن يحسن المسلم الظن بغيره”؛ وذلك إدراكاً منا بأن البشر أغلبنا ضعفاء في المواقف، ويجب التماس الأعذار لبعضنا، وعدم المؤاخذة في الحكم على أمور يمكن أن تحتمل الحدس الحسن، وإن كان الاحتمال يبدو لنا ضعيفا.
وعلى ذلك؛ فإنّ حسن الظن مبني على ترجيح جانب الخير على جانب الشر، وفيه راحة للقلب وسعادة للنفس، ويدفع عن نفوسنا الأوهام والقلق، والأذى النفسي، وكدر البال، وتعب الجسد، كما أن أهميته تكمن في سلامة الصدر، وزيادة المحبة والتآلف بين أفراد المجتمع؛ فلو تقيدنا بهذا المبدأ في تعاملاتنا، فلا نجد بيننا من يحمل قلبه حقدًا وضغينة، وإذا كان أبناء المجتمع الواحد بهذه الصورة، فإنهم حتمًا يكونون يدًا واحدة، ولا يستطيع أحد المساس بتركيبته والتفرقة بينهم، أما في حال انتشار سوء الظن بالآخرين؛ فلن تكون النتيجة بصفاوة القلوب، وإنما يكون الشقاق والبغضاء هو الشائع، فمن أساء الظن بغيره، وتتبع العورات والزلات والبحث عن الهفوات والسقطات؛ أصبح معرضًا لغضب الله وسخطه، ثمَّ ينتشر الشقاق بين أفراد المجتمع، وتنقطع أواصر المحبة والأخوة، ويشيع الكره والبغضاء بين الناس، ويسبب القطيعة، والتشرذم الاجتماعي.
لهذا؛ يجب علينا توخي الحذر، وعدم الوقوع في مغبة هذه الخصلة – سوء الظن-، ويجب على كلٍّ منا أن يدرب نفسه على إحسان الظن والنظر إلى الآخرين بإيجابية دون الخوض في تفاصيل الأمور التي من شأنها أن تهدم الروابط، وتزيد الفرقة والبغضاء، وتؤثر في التماسك الأسري والاجتماعي، وهذا الأمر يحتاج إلى مجهود كبير وإصرار ومصابرة على تحمل غيرنا؛ لأنّ الشيطان منذ خلق الله أبانا آدم يسعى إلى التفريق بين الأرحام والناس كافة وتشتيتهم، وأفضل سبيل لقطع الطريق عليه والعيش بسلام هي إحسان الظن بالآخرين.