ماذا نقصد بـ “إعلامي”؟
حمدان بن سعيد العلوي
مدرب في الإعلام والعلاقات العامة
سابقاً، كان من يعمل في الإعلام إمّا أن يكون مذيعاً أو مُخرجاً أو صحفياً أو مصوراً أو معداً أو منفذاً أو محرراً مع بقية المهن الأخرى، لم يكن في العمل الإعلامي مهنة بمسمّى إعلامي؛ فالإعلام شامل هذه المهن.
أما اليوم، ومع تطور وسائل الاتصال؛ ظهر لنا هذا المسمى الذي ليس له أساس، وإن كان يُستخدم لوصف من يعمل في الإعلام كمصطلح بهدف الشهرة.
الإعلام تخصص كباقي التخصصات، وقد أُعجبتُ بوصف الزميل والكاتب الصحفي السعودي “فهيد العديد”؛ حيث يقول: لقب الإعلامي أشبه بأن يكتب حارس الأمن المكلّف ببوابة المستشفى تقريراً عن حالة المرضى في غرف العناية المركّزة.
ويقول أيضاً:
في العقد الأخير، وفي غفلة مقصودة من الجميع بما فيهم الإعلام، برز مصطلح (إعلامي)، وهو مصطلح فضفاض يشبه مصطلح شيخ، الذي لا يتطلب أي مهارة أو معرفة سوى طريقة معقولة بمعرفة لبس المشلح، الأمر كذلك ينطبق على الإعلامي، الذي لا يهم إن كان يجيد صياغة خبر أم لا، ليس مهماً، المهم أن يكون له معرّف بأحد تطبيقات التواصل الاجتماعي، ويعرّف نفسه بـ«إعلامي»، ويبدأ رحلته بتقييم الإعلام، وينظّر عن موت الصحافة.
هذا المصطلح أصبح متداولاً حتى أن صنّاع الإعلام ووسائل الإعلام تقوم بتقديم هؤلاء الاشخاص على أنهم إعلاميون، فالإعلام تخصص، وليس مسمىً وظيفياً أو هواية كما يطلق على من يكتب الشعر شاعراً، أو من يجيد الرسم رساماً.
اليوم نرى من له شهرة واسعة، ويمتلك منصة في أحد تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي يكتب عن نفسه (إعلامي)، ولو سألتهم: ماذا تعني كلمة إعلامي؟ هل سيعرفون الإجابة الصحيحة؟
هناك من يتحدث عن الإعلام، وينتقد الصحافة والوسائل الإعلامية الأخرى، ولو طلبت منه كتابة خبر مكتمل لما تمكن من صياغة جملة واحدة، والكاتب الصحفي هو محترف في صياغة الأخبار، والخبر الصحفي هو أساس الفنون الصحفية والإعلامية الأخرى، فتجد البرامج التلفزيونية والإذاعية قائمة على هذه الأخبار، ومنها تقوم بإعداد مادتها الإعلامية، ومنها يخرج المقال والحوار والتحقيق الصحفي، أما المهن المساعدة هي المونتاج والتصوير والإخراج وغيرها لتأتي هذه المادة الإعلامية في شكل قالب فني أو وجبة دسمة تشبع رغبات القارئ والمشاهد أو المستمع.
يحزننا أن يأتي من لا يفقه في الإعلام، ويقوم بتصوير حدث ما أو موقع أو حتى مسؤول، ثم ينقل ذلك الحدث دون محتوىً حقيقي يتلقاه ملايين المتابعين، وتتناقله وسائل الإعلام نقلا عن ذلك الناشط، وإن كان النقل موثقاً، ولكن الخبر غير احترافي، فيغير من مضون الحدث والمحتوى بمصدر ركيك وطريقة دعائية بحتة بهدف الترويج عن شخص ما، أو الترويج عن نفسه بهدف الشهرة، وأحياناً تكون هذه الأخبار مضللة أو مشبوهة بمصدر ضعيف لا يمكن الاعتماد عليه.
للأسف! من هنا تنتشر الأخبار المغلوطة، ومن هنا تنتشر الإشاعة ويصدقها غالبية الناس ويتم تداولها، كما تابعنا مؤخراً قيام بعض المشاهير بالترويج عن خبر ما؛ للحصول على السبق، وتنتهي بتقديم الاعتذار بعد أن أثاروا الضجيج.
يجب على الجهات المعنية تنظيم هذه العملية، وألا تسمح لمثل هؤلاء بتشويه سمعة الإعلام، وألا تسمح بتداول هذا المسمى؛ لكي لا يكون محسوباً على إعلامنا بمؤسساته المعروفة، فالإعلام مؤسسات مستقلة بذاتها، وليس كما يظن بعضنا أنه قائم على أشخاص منفردين مغردين كانوا أو حتى يمتلكون بشكل فردي تطبيقات التواصل الاجتماعي الأخرى، فهُم لا يمثلون إعلامنا، وإن كانوا يعملون في هذه المؤسسات.
شخصياً لا أكتب في مدوناتي أو حتى في وصف نفسي بهذا المصطلح؛ لأنني على قناعة تامة بالتخصص، وإن كنت متخصصاً في هذا المجال سواء بالدراسة أو الممارسة، فإن كنت كاتباً سأصف نفسي بالكاتب، أو مخرجاً بالمخرج أو المذيع أو المهندس.
لست ضد أحد، ولكن أكتب هنا للتوضيح؛ فالنجومية والشهرة لمن يتميز في مجاله سواء كان نجماً في وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى في المجال الصحفي والإعلام الرسمي، وعلينا التفريق بين المهنة الإعلامية والمسميات والتخصصات المختلفة.