2024
Adsense
مقالات صحفية

القيم التربوية الإسلامية مصدر الإشعاع والتألق المعرفي

إعداد: فادي محمد الدحدوح
خبير في البحث العلمي والدراسات
Email: phd.fadi@gmail.com

من المؤكد أن تحقيق الأهداف التربوية في المجتمعات للوصول إلى الإنسان الأخلاقي الذي يحقق الغاية السامية للبناء والنهضة، يرتكز على نسق متين من القيم، يتوخى فيها الشمول والتكامل، تتكامل فيه النواحي العقدية، مع النواحي المنهجية، وهذه مع النواحي الأخلاقية كفيلة بإعداد الإنسان الأخلاقي على وعي وبصيرة، وفق الينابيع الدينية الصافية، ولا شك أن طبيعة البناء الثقافي، والنسق القيمي هي التي تحدد استجابة الإنسان لهذه المنظومة، فإن كانت تركز على أبعاد بعينها من الكيان البشري، فإن النقص لا محالة لاحق بتلك النفس، وإن كان الإطار الثقافي متكاملًا وغنيًا بالقيم التربوية التي تمس الكيان الإنساني بأكمله سوف ينعكس ذلك على الإنسان كمالًا وتوازنًا يدفعه للقيام بوظيفته الحضارية.

ومن المؤكد أن الثقافة الإسلامية الصحيحة هي الأجدر، والأكمل، والأمثل، القادرة على الإشباع لكل حاجات الإنسان وأشواقه؛ لأنها صادرة عن خالق الإنسان الذي يعلم من خلق، وأن العطاء الذي قدمته الحضارة الإسلامية للإنسانية خير دليل على ذلك، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد جبل الإنسان بفطرة تؤهله للتشكّل وفق الأهداف الخيرة، وقابلية السير في خطّها المستقيم، فإن القيم التربوية الإسلامية تكون على أساس المفاهيم والمعاني التي يُولد الإنسان بموجبها ولادة ربانية، ويعيش في ظلال طاعة الله، وحمل النفس على تنفيذ مراده في هذا الكون، وتحقيق الغاية السامية.

ومن المؤكد حتما أن الهدف الذي تسعى إليه القيم التربوية الإسلامية هو إحداث هيئة راسخة وإنشاؤها في نفس الإنسان؛ بحيث تتجه به نحو العمل الصالح، الذي يشمل كل مكارم الأخلاق، وربما يظهر في بعض الأحيان أن بعض النظم التربوية تضم قيمًا شبيهة بقيم الإسلام، إلا أنها تفتقد الشمول والتكامل والثبات، والقابلية للتطبيق على أرض الواقع، ويغلب عليها الجانب النظري؛ لأنها من صنع الإنسان، ولا أجد أجمل بلاغة في نقل المعنى الشمولي للمراد من قول الإمام الشاطبي: بأن كليات الشريعة من العدل، والرفق، وسلامة النفوس والأعراض والأموال، وحفظ الدين، والعقل، فإنها لا تتغير، إذ هي الأصول التي بني عليها الدين، وبنيت عليها مصالح الدنيا، ومن ثمة فإنها باقية ما بقي الناس على هذه الأرض، وعليه فَحِفْظُ تلك المقاصد لا يتم إلا من خلال تشبّع الأفراد بمنظومة من القيم تتصف بالكمال، ويتجلّى ذلك بأبهى صوره وأتمها في النظام القيمي الإسلامي الذي هو قوام النظام التربوي في الإسلام، وهذا النظام القيمي هو الذي يتشكّل منه النظام الاجتماعي، الذي يرتبط ارتباطًا كبيرًا بطبيعة التصور الاعتقادي.

ومن المؤكد علميا أن دراسة فاحصة معمقّة إلى الإنسان في ظل عصر النبوة، والعصور الزاهية التي عرفتها الحضارة الإسلامية، وجدنا أن الجيل القرآني الذي تربي في رحاب مدرسة النبوة قد أعطى البرهان الكامل على الثبات أمام مطامع الدنيا، فكانوا قمما في العطاء والتضحية، الإخلاص، ونكران الذات، والتعاون، وغيرها من المثل العليا، وهذا التجسيد للقيم ظل مستمرًا عبر عصور التاريخ الإسلامي على تفاوت فيما بينها في الإشعاع والتألق، وذلك بمقدار ما كانت تتفاوت في الاقتراب من النبع الصافي لمدرسة النبوة، والاغتراف من خيراته وكنوزه.

ومن المؤكد قطعا إن من أعظم ثمار القيم التربوية الإسلامية في البناء الشخصي للإنسان أنها تترك أثرها الواضح في عقل الإنسان المسلم؛ لأن القرآن الكريم ومعطياته في مجال العقيدة، والتشريع والسلوك تمثل نسقًا من المعطيات المعرفية كفيلة بأن تهز عقل الإنسان، وتنمّي طاقاته؛ حتى يولد لديه التشوّق المعرفي لكل ما يحيط به من مظاهر الكون، وتحديد دوره ووظيفته في هذا الكون، فالإنسان في العقيدة الإسلامية طاقة حيوية مؤثرة، وهذا ما يفسر لنا ذلك الانطلاق المهول الذي حققه المسلم في كل ميدان من ميادين الحياة العلمية، وهكذا يتضح لنا أثر البناء الذي تتركه القيم التربوية الإسلامية في الشخصية؛ بحيث تصوغها صياغة متينة، وتمس كل موطن من مواطنها، حتى ينخرط الإنسان بكل كيانه وطاقاته في تحقيق النهضة البشرية.

وخلاصة القول إن القيم التربوية المرتبطة بالدين هي التي تؤدي إلى تحقيق غاية الإنسان، وإسعاده في هذه الحياة، وخلاف ذلك، فإنها لا تحقق الغاية المنشودة، بل تؤدي إلى انهيار متسارع في المنظومة المجتمعية والحضارية.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights