الحقوق الزوجية في الإسلام (١)
د. عبد الحكيم أبوريدة
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فنتناول في هذا المقال وفي مقالات قادمة بإذن الله جانبا من الحقوق الزوجية التي شرعها الإسلام لكل من الزوجين، فالزواج في الإسلام أمر حيوي له أهمية كبرى في الحفاظ على بقاء النوع الإنساني؛ لذا نجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوجه النداء لشباب هذه الأمة، ويحث منهم من توافرت لديه القدرة على النكاح أن يتزوّج، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: قَالَ لَنَا رَسُولُ الله ﷺ:” يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ”. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وإن كان البصر مأمورًا بغضه والفرج مأمورًا بحفظه كما جاء في آيات القرآن الكريم (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ .. )الآية. [النور: 30،31] إلا أن الزواج يجعل الإنسان أشد غضًا للبصر، وأشد إحصانا للفرج، هذا وقد بين لنا رسولنا الكريم في العديد من أحاديثه أن الناس يرغبون في الزواج من النساء ، لحسبهنّ أو لجمالهنّ أو لمالهنّ، والقليل من يرغب فيهن لدينهنّ؛ لذا وجه من يريد الزواج أن يكون الدين هو المعيار الأول عند الزواج، ولا مانع أن تكون المرأة مع الدين جميلة وذات حسب ومال، فقد تزوج الرسول -صلى الله عليه وسلم- السيدة خديجة -رضي الله عنها-، وكانت ذات جمال وحسب ومال ودين، وفي الحديث الذي رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ). [مسلم: 1466]
وقد سأل رجل أحد العلماء قائلا: (إن لي ابنة أُحبها، وقد خطبها إليّ غير واحد، فمن تشير عليّ أن أزوجها؟ فقال زوجها بمن يتقي الله فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها).
وكما حث الإسلام على اختيار الزوجة الصالحة، فكذلك حث على اختيار الزوج الصالح؛ لذا جاء في الحديث الذي رواه أبو حاتم المُزَنيّ من قول النبي صلى الله عليه وسلم:( إذا جاءكُم من ترضونَ دينَهُ وخلُقهُ فأنْكحوهُ، إلا تفعلوا تكن فِتنةٌ في الأرض وفسادٌ). [الترمذي: 1085]
وقد قال بعض الفقهاء: ( من زوّج كريمته لفاسق أو شارب خمر فقد عق ابنته وقطع رحمها).
وقد أمر الله بالزواج، ووعد عليه الغنى، فقال تعالى:( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32]، فلا رهبانية في الإسلام ، وأنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على أحد الصحابة تركه الزواج مع القدرة عليه، فقال:( فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي ). [مسلم: 1401]
وقد تزوج الأنبياء وكانت لهم الذرية، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ۚ) [الرعد: من الآية ٣٨] ، والزواج من أجل النعم التي أنعم الله بها على عباده، قال تعالى:(وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ ۚ أَفَبِٱلْبَٰطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) [النحل:٧٢]، فما أعظم تعاليم الإسلام، وما أجل تشريعاته!
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.