2024
Adsense
مقالات صحفية

والدي العزيز شكرا

حمدان بن سعيد العلوي
مدرب في الإعلام والعلاقات العامة

في حقبة التسعينيات من القرن المنصرم كانت الحياة جميلة جداً، بسهولتها رغم ضعف الإمكانيات، إلا أن المتطلبات في ذلك الزمان لم تكن تشكل عبئاً كبيراً، وأصدقاؤنا من حولنا وأكثر من الأخوّة تجمعنا، نجتمع كل يوم ونلتقي في المدرسة وخارجها، كنت ملتزماً منضبطاً إلى أن وسوس الشيطان في أذن ابن عمي وهو أخي في الرضاعة أيضاً، قال في صباح يوم نهاية الأسبوع: ما رأيك أن نهرب من المدرسة ونستمتع بوقتنا بين النخيل وأشجار المانجو؟ حيث كانت ولاية البريمي خضراء فيها غابات من النخيل وأشجار المانجو والمياه متدفقة في أفلاجها، تجولنا نحن والأصدقاء (الشلة) حتى نهاية الدوام لنعود بعدها ونصعد إلى الحافلة نحو المنزل وكأن شيئاً لم يكن، كانت الرحلة غير المخطط لها ممتعة، وفي الأسبوع الذي تلاه قررنا تكرارها، اتجهنا نحو منطقة حماسة نتجول بين حصونها، إلا أن المفاجأة غير المتوقعة برؤية والدي رحمة الله عليه يتمشى بين تلك الأبنية الأثرية، ارتبكنا جميعاً حتى أن ابن خالتي بسبب الذعر هرب فاراً من فوق الجدار ليسقط أمام الوالد العزيز وكاد أن يصيبه لولا إرادة الله، بعد القفزة وجد نفسه أمام الأمر الواقع مرتبكاً، أدى الواجب بالسلام عليه قائلاً له: (مرحبا الوالد ابنك حمدان ليس هنا وهو لم يهرب معنا) ثم فر مسرعاً، بعدها جاء ليطمئنني حيث قال: لم أخبر والدك وأخبرته أنك لست معنا، حمدت الله على ذلك، وحينما عدنا إلى الحافلة قال لي أخي الذي يكبرني سناً: إن الوالد جاء للمدرسة ولم يجدك وعليك أن تتصرف فقد سأل أصدقاءك والمعلم وقالوا بأنهم لم يروك طوال اليوم منذ بداية الصباح، حينها شعرت بالخوف وفكرت ليرشدني عقلي أن أكذب كذبةً تنجيني وهي أن أشتري من البقالة شريط (البندول) وأقول له كنت مريضاً وذهبت إلى المشفى.

عدنا إلى البيت وتظاهرت بالإعياء والسعال، وحين قابلني قال شافاك الله يا بُنيّ، بعد أن انتهينا من وجبة الغداء سألني الوالد العزيز هل أنت مريض؟ فقلت له نعم وهذا هو الدواء فقال: لقد ظلمتك وظننت أنك قد هربت من المدرسة وأقسمت أن أربطك ولكن سأربطك قليلاً وسأفكّ رباطك كي أتمم القسم ولا أحنث فيه، وافقت فرحاً ومددت يديّ، قام بشد الرباط أولاً، بعدها قام بركلي بقدمه وأخذت العصا دورها على ظهري، حاولت أمي ثنيه إلا أن أبي لم يتركني حتى أتأدب لكي لا أكررها ثانيةً، وإنه لم يعلمني على الكذب والخداع، بعد أن انتهى بكسر العصا تركني مرمياً على الأرض متألماً أصيح بصوت عالٍ: لن أكررها ثانية، بعد العقاب لم ولن أفكر بعدها بتكرار الهروب من المدرسة، لم أتعقّد ولم تتغير حالتي النفسية، عدت إلى رشدي ملتزماً لا هروب ولا غياب عن المدرسة، وكانت العصا هي العلاج، تأدبت أنا وتأدب جميع أصدقائي بعد أن كنت الضحية، إلا أن العقاب كان من أُسس التربية السليمة في ذلك الجيل، أما الآن فقد تغير الحال مع الجيل الحالي، جيل الترف و(النفسية)، الأب يخشى على حالة أبنائه النفسية، يخطئ الابن وتكبر أخطاؤه معه ولا يجد من يردعه حتى يكبر ويتعود على (الدلع) لتتكون الشخصية الهشة اللينة التي لا تتحمل أدنى مسئولية.

شكراً والدي على تقويمي نحو المسار الصحيح ولولا حرصك وتربيتك لما وصلت إلى ما أنا عليه اليوم.
رحمك الله وأدخلك فسيح جناته (والعصا لمن عصى).

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights