الأنماط القيادية ج2
د. سعيد بن راشد الراشدي
ها نَحنُ عزيزنا القارئ الكريم نعودُ برفقتكم الطيبة؛ لنتابع سوياً ما توقفنا عندهُ في مقالنا السابق، الذي ناقشنا فيه نمطاً قيادياً معيناً من أنماط القيادة ألا وهو النمط الأوتوقراطي.
وها نحنُ نعرّجُ لمناقشة نمطٍ قياديّ آخر من أنماط القيادة ألا وهو النمط الديمقراطي. وسوف نتطرق إلى التعريف به ومميزاته، والسِّمات العامة لهذا النمط القيادي، وكذلك السمات التي يتميز بها القائد عند استخدامه لفكر واستراتيجيات هذا النمط من القيادة.
النمط الديموقراطي The Democratic Style
بدايةً يمكن لنا أن نُعرج على مفهوم الديمقراطية فهي تعني: وكما جاء في (رابعة،2001، 54). فإن الديمقراطية تعني: “التسوية بين الناس جميعاً في الخضوع للتشريع الديمقراطي دون أن يُستثنى منهم أحد بسبب النسب، أو الوجاهة أو الثروة”.
وفي ظل الإدارة الديمقراطية تقوم الجماعة باختيار القائد، أو انتخابه، ويشارك الأفراد في وضع الأهداف، والتخطيط وتنفيذ الأنشطة، وتقويمها، والمسؤوليات في ظل الإدارة الديمقراطية موزّعةً على الأفراد، ويفوض الرئيس بعضاً من سلطاته إلى مرؤوسيه.
والنمط الديموقراطي هو نمط قيادي وأسلوب إداري يوظفه القائد لقيادة مؤسسته التي يُديرها، حيث يقوم القائد في هذا النمط باحترام شخصيات العاملين معه، ومعاملتهم وفق قدراتهم، وإمكانياتهم مع الاهتمام بميولهم، ورغباتهم، ويحرص القائد في هذا النمط القيادي بأن يشارك العاملين معه في التخطيط الجيد لمختلف جوانب العمل بالمؤسسة، وكذلك يحرص على إشراك العاملين في عملية صنع القرار واتخاذه، ويراعي ظروفهم التي يمكن أن تعترضهم في حياتهم أو عملهم. فهو يتعامل مع العاملين معه بكل إنسانية وكل احترام في المؤسسة.
وقد ذكر (كنعان، 1999) إن هذا النمط يقوم على أسس تتمثل في:
▪ سيادة العلاقات الإنسانية بين القائد والمرؤوسين.
إن مفهوم العلاقات الإنسانية كما يقول “Davis” وكما ورد في (الدويك وآخرون،1998، 42) هو “اندماج الأفراد العاملين في موقف عمل معين، بطريقة تدفعهم للتعاون للحصول على أكبر قدر ممكن من الإنجاز، مع تلبية احتياجاتهم الاقتصادية والنفسية”.
إن إقامة مثل هذه العلاقات يعمل على إشاعة جوّ من الودّ والألفة، وإيجاد مناخ اجتماعي سليم بين القائد ومرؤوسة في المؤسسة، بحيث يشعر كلّ منهم بأهمية الدور الذي يقوم به في بلوغ الهدف المشترك، والحصول على أفضل أداء في العمل، وأيضاً يسهم ذلك في تنمية قيمة الانتماء إلى المؤسسة وقائدها.
▪ المشاركة في صنع القرار.
ولقد أوضح كلّ من (مصطفى وعثمان،2003) المقصود بالمشاركة بأنها: دعوة القائد لمرؤوسيه والالتقاء بهم لمناقشة المشاكل الإدارية التي تواجهه، ومحاولة الوصول إلى أفضل الحلول الممكنة لها مما يخلق الثقة لدى هؤلاء العاملين.
ومن هنا نجد أن إعطاء القائد الفرصة للعاملين معه للمشاركة في عملية صنع القرار، يساعده في ترشيد عملية اتخاذ القرارات التي يصدرها بمؤسسته، حيث أن تلك المشاركة تساعده في التعرف على كافة الآراء، والأفكار التي تٌقدم، وخاصة من أصحاب الخبرة الطويلة والتجارب الواسعة في مجال العمل؛ مما يساعده على اختيار البديل الملائم والجيد من تلك البدائل المطروحة لمعالجة ما يعترض سير العمل بالمؤسسة.
▪ تفويض السلطة للمرؤوسين:
حيث أوضحت كثير من الدراسات، والتطبيقات العملية أهمية عملية التفويض في العمل، حيث ذكر (الدويك وآخرون،1998). تلك الأهمية وتتمثل في: إتاحة الوقت وتوفير الجهد لمتابعة مختلف جوانب العمل في المؤسسة، ويساعد التفويض على تنمية القدرات لدى العاملين، ويرفع الروح المعنوية، ويولد الثقة، وتحمّل المسؤولية بين العاملين، ويساعد التفويض كذلك على إتاحة الفرصة للجميع بممارسة دورهم في عملية التخطيط لكافة جوانب العمل، ومتابعة تنفيذ تلك الخطط بما يحقق الأهداف التي تسعى المؤسسة لتحقيقها.
وقد ذكر (العجمي ،2000، 49) بأن القائد في هذا النمط يتصف بعدة سمات ومميزات تتمثل في: قوة الشخصية، والتواضع، وعدم التكبر، وتقبله للنقد والاهتمام بالفروق الفردية بين العاملين، ومراعاتها عند توزيع المسؤوليات والواجبات، ويحرص كل الحرص على الوقت واحترام المواعيد مع الآخرين ويسعى إلى الالتزام بها من قبل الجميع.
أيضاً يحرص القائد على الأخذ بمبدأ المشاركة في مختلف جوانب العمل، ويسعى لإيجاد عملية متوازنة بين العمل والعلاقات الإنسانية؛ بما يحقق الأهداف، وبحيث لا يطغى جانب على آخر.
ومن هنا نرى أن هذا النمط القيادي، ورغم تلك الإيجابيات التي يتميز بها إلا أنه تشوبه بعض السلبيات، ومنها وجود كثير من المشاكل الإنسانية التي يمكن أن تواجه القائد لوجود بعض الأفراد في المؤسسة لا يتناسب معهم هذا النمط، ولا يمكن أن نعتبره بأنه هو النمط الأمثل في كل المواقف، والظروف التي تمر بها أي مؤسسة، حيث يجب أن تكون الإدارة متوازنة وأن يمارس القائد أعماله، ويتخذ قراراته وفقاً للمواقف التي يعيشها مع العاملين معه في المؤسسة؛ لأن ذلك يقود لحالة من الرضا بين الجميع؛ مما يدفعهم إلى بذل المزيد من الجهد والعطاء في كافة جوانب العمل المختلفة للوصول لأفضل أداء.
ولنا متابعة لاحقة لنمط قيادي آخر من أنماط القيادة في مقال آخر بإذن الله تعالى.