ألن يوجد هناك إصلاح؟
أحمد بن سليِّم بن سالم الحراصي
Al.aast99@gmail.com
كثيرٌ ما دار في مخيلتي بأننا قادرون على تغيير هذا الوضع المزدري الذي نعيشه نحن كمواطنين لنا ما علينا من حقوق وواجبات، وكثيرٌ ما كنت أتساءل إلى أين نحن ذاهبون وإلى أين مصيرنا سيجري بنا، يومٌ بعد يوم والحياة ومتطلباتها تحط رحالها بكامل ثقلها على كاهلنا، فهل نستطيع فعلا أن نعبر ضفاف النهر لنصل إلى اليابسة قبل أن نغرق؟
حالات عايشتها أو يمكنني القول أنني التقيت بها وأعرف أصحابها جيداً، مواطنون سئموا من الحياة التي يعيشونها، يتساءلوا ما الضير في أن يعيش مواطنا بكرامة وحاله كحال مواطنا آخرا بدول الجوار؟ لديَّ هنا أكثر من ثلاث حالات عبَّرت عن مشاعر الغبطة والهم وضنك العيش، وقلة المال وضعف الحيلة وما قولهم في الأخير وما يجب أن تسمعه إلا (الله المستعان وربك كريم وعسى أن يجعل الله خيرا)، كلمات لها أثرها في النفس وتكسر الخاطر وما الشكوى إلا لله ولكن الإنسان أحياناً بحاجة إلى أن يُبدي ما يدور في ذهنه وما يُضعف بدنه وما يُوهن تفكيره وشرود ذهنه، ولذلك أرى بأن هذه الحالات استحقت أن يُستمع لها؛ فأنا وأنت وهم ونحن كلنا مواطنين، يدنا فوق أيدي الجميع وأن اليد لا تجيد وحدها التصفيق.
الحالة الأولى:
مواطن يشكو من ضعف راتبه واستنكاره عن ما يدور في المؤسسات من لعبة الكراسي التي عادة تلعبها مجموعة وهذه المجموعة المجهولة المصدر دائما ما تترك كرسيا مفقودا، وهو الكرسي الذي يعود لصاحبنا الذي دائما ما يشكو من عدم استدعائه للعبتهم؛ لأنه صعب المراس والانقياد على اللحن الذي يحبونه، فتخيَّل معي أنك مواطنا تعمل في مؤسسة حكومية أو خاصة وتجاوزت مدة عملك فيها نحو العشر سنوات، أو مثل ما يُحب تسميتها بعضهم (سنوات الضياع!)، عشر سنوات وراتبك لا يتجاوز ال400 ريالا! ،أنا لا أقول جميع المؤسسات ولكن بعضا منها تُجحف حق الموظف المواطن، في هذه العشر سنوات كان يجب أن يصل راتب موظف يحمل شهادة الدبلوم الثانوي فقط لنحو 700 ريالا على أقل تقدير باعتبار السنة الأولى راتبه يصل إلى 325 أو أقل من ذلك، فأين ذهبت حقوقه المهضومة؟
الحالة الثانية:
مواطنة تشكو من مشكلة في الترقيات المستحقة، جاءتها الترقية التي استحقتها بالفعل ولكن المؤسف أن هذه الترقية زيادة الراتب فيها شيء مخجلا ومثل ما تقول أنها مجرد (تسكيتة، صدقة، وزكاة! ومثل وجوههم! ) ، فهي كمواطنة أعتقد بأنها تستحق ما كانت تتوقعه وأكثر ثم أنها تتساءل أنني لو كنت غير عمانية لكانت علاوة الترقية أكثر من هذه! ، هذه اللعبة نفسها تُعاد بين أصحاب الكراسي، ولكي لا يُقال عنهم بأنهم أبطلوا حق العماني في مؤسستهم التي يديرونها ولكي لا يُقال بأننا لم نعطِك ما تنتظره بعرق جبينك، فنحن ما علينا أعطيناك ولكن أعطيتموني الفُضالة التي بقيت من الكنز الذي تقاسمتموه فيما بينكم، فهل هذا يُرضي من هم يعملون في جهاز الاستثمار العماني وجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة؟
الحالة الثالثة:
موظفون مواطنون يشتكون عن عدم المساواة بين القطاعين الحكومي والخاص، ألا يمكن أن يكون هناك توحيدا للرواتب وعدد ساعات العمل؟، فقبل أسبوع مررنا مع بعض الزملاء من العمل بمكان ما وكانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهرا فلمحنا – ما شاء الله- سيارات موظفين حكوميين انهوا عملهم اليومي وهم ذاهبون على ما يبدو إلى منازلهم ونحن لا نزال في العمل، قد يقول بعضهم (هذا شيء راجع لك أنت وما أحد قالك ما تداوم في القطاع الحكومي؟)، العمل يبقى عملا سواءً حكوميا أم خاصا فكلانا في هذا المجال سوية وكلانا يعمل لأجل وطنه ولكن المشكلة هي في المساواة التي أحدثت خللا في المنظومتين ومال الكثير من المواطنين بالعمل في القطاع الحكومي نظير التسهيلات التي ربما أحدثت تغييرا ولو بسيطا في تفضيلهم للحكومي مما أدى إلى نقص كبير في الوظائف الحكومية مقارنة بوظائف القطاع الخاص ولو أن الدولة قاربت بين القطاعين لكان الجميع ينعم بالرضى والمساواة ولكن يبقى هذا ناقصا إلى أن يتحقق تصريح وزير العمل منذ بداية هذا العام الذي قال فيه بأنه ضمن قانوني العمل والخدمة المدنية الجديدين سيكون هناك تقريبا للعمل بين القطاعين من ناحية الرواتب والإجازات وساعات العمل، فبحسب دراسة أجريت في شركة نيوزيلندية أن ساعات العمل الأقل تعني إنتاجية أكثر فعندما تمنح موظفاً ما 3 أيام إجازة و4 أيام عمل ستكون النتيجة كما يُراد لها أن تكون، إلا أننا لا نطالب بزيادة الإجازات ما نطالبه نحن جميعا هو فقط تخفيض ساعات العمل وتوحيد الرواتب رفقا بالمواطن الذي أتعبته مصاريف الحياة العمانية!.
الحالة الرابعة:
تم تسريح مواطنا من مؤسسة ما، أكمل فيها أكثر من 11 سنة ثم تلفظه هذه المؤسسة بعدما أخذت منه ما أخذت كبحرٍ يلفظ جثث ميتة نحو اليابسة! تسريحك كمواطن لديك عائلة ولديك مسؤوليات لا تقوى عليها وأنت تعمل فكيف عندما تكون بلا عمل؟ الحقيقة مرة ولكنها تظل حقيقة ويجب تداركها وأن القضاء العماني ينصف المظلوم وأن باب المحاكم مفتوحا، ولكن المشكلة تحتاج إلى جيبٍ يفتحها، – معذرة- لا أقصد هنا الرشوة ما أقصده هو تكاليف القضية بالنسبة للمواطن المُسرَّح، تكاليف المحاماة وتكاليف الطريق وفي الأول والأخير يعتمد على شخصية هذا الموظف المسرح، فهناك موظفون لا يستطيعون أن يتفوهوا بكلمة وبعضهم يخشى خسارة القضية فتذهب أتعابه هباءً، وبعضهم يتساهل ويرفع الشكوى لله وما أسعدها من شكوى، ولكن في النهاية تحتاج الدولة إلى أن تحتضن هؤلاء وأن تأخذ حقهم وأن تفتح لهم الباب على مصراعيه دون تكاليف مالية، فخسارة القضية لسبب ما تخسر فيها تكاليف أتعاب القضية أيضاً ولذلك الاحتواء لمثل هؤلاء البسطاء أصبح لازما.
الحالة الخامسة:
تصور أنك مواطنا راتبك الشهري 600 ريالا ولن أحدد هنا العوامل التي يرتكز عليها هذا الراتب الشهري، ما أقوله هو فقط أن نتخيل هذه ال600 ريال، تؤخذ منها 6 ريالات تأمين وظيفي، يؤخذ منها تأمين إلزامي حوالي 40 ريالا كتقريب، تشتري كل سلعة يؤخذ منك 5٪ ضريبة مضافة، دعم الوقود والكهرباء موجودا لكنه ليس بالدعم الكامل الذي يرضي الجميع ومع ذلك فهو يأخذ جزءا من هذا الراتب لنقل ما مجمله 70 ريالا، ورفع دعم الماء يأخذ نصيبه أيضاً من هذا الراتب وليكن 20 ريالا، هذه المصاريف كلها تأخذ من هذا الراتب المسكين وتنهشه كنهش الكلاب الضالة وصدقني أن الذي يبقى من هذا كله وإن بقي فلن يتجاوز ال20 ريالا في الشهر خاصة وأنت لديك أسرة وأطفال ومتطلبات فتسقط في هاوية الديون والسجون، فما بالك بالذي راتبه أقل من هذا؟.
وسنتساءل الآن معا، ألن يوجد هناك إصلاح؟ ألن تنهض الدولة التي نفتخر بها بين مصاف الدول العربية؟ أنا وأنت ونحن كلنا لدينا أمل في إصلاح كل هذا تحت قيادة سلطاننا وولي أمرنا السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه-، فنحن لم ننس وعده لنا في صون حقوق المواطنين وترسيخ العدالة والنزاهة ونحن على هذا الوعد واثقون وعلى النهج الذي رسمه لنا ماضون بعون الله.