السب والقذف الإلكتروني … جريمتان تُجرد الإنسان من سمات إنسانيته

سيد ابراهيم محسن

لا يخفى على أحد الدور الذي تلعبه الوسائط الإلكترونية الحديثة، وعلى رأسها شبكة الإنترنت، التي قد أحدثت قفزة متسارعة وشاملة في حياة الأفراد والمجتمعات في شتى مناحي الحياة، على النحو الذي أصبح العالم بأكمله قرية صغيرة يجتمع فيها الأفراد، فاليوم بفضل هذه الشبكة غَدا بإمكان الإنسان إرسال واستقبال مختلف المعلومات في أي مكان يتواجد فيه، بمجرد عدة نقرات في الهاتف الذكي أو الحاسب الآلي دون تكبد مشقة الانتقال من مكان إلى آخر.

وعلى الرغم من هذه المزايا، إلا أن شبكة الانترنت كغيرها من الاختراعات، تقدم كوكبة من المنافع التي بطبيعة الحال تقابلها كوكبة أخرى لا يستهان بها من المضار، ومن أبرز المضار التي أصبحت محل ابتلاء للمجتمعات العربية في الفترة الأخيرة هي: مسألتي السب والقذف في الوسائط الإلكترونية سواء في تطبيق تويتر أو انستغرام أو فيس بوك وغيرهم، فاليوم عندما تَلج عالم هذه التطبيقات، وتتجول بداخلها من حساب لآخر، ومن منشور لآخر، تكاد لا تنتهِ رحلتك منها حتى تجد تشكيلة متنوعة من الألفاظ القبيحة، والعبارات المفعمة بالكراهية، والوقائع المخزية التي تؤدي إلى انتهاك حق الإنسان في كرامته وشرفه واعتباره.

ومن الجدير بالملاحظة بأن السب والقذف يشتركان في وحدة الحق المعتدى عليه، والمتمثل في المساس بشرف الغير واعتباره، غير أن الفرق بينهما يتجلى في السلوك الذي ينشئهما، فالسب لا ينشأ إلا بتوجيه عيب أو عبارة للغير بإحدى طرق العلانية من شأنها أن تخدش شرفه أو اعتباره أو كرامته أو سمعته دون أن تتضمن إسناد واقعة معينة، والأمثلة على السب كثيرة ومتنوعة يتعذر حصرها، من ذلك ما يكون بوصف الغير بأسماء الحيوانات كالكلب أو الحمار، ومنها ما يكون بوصف الغير بعيب معين ومباشر كالسارق أو المرتشي أو المحتال أو النصاب أو التافه أو الحقير أو الغبي وغيرها، ومنها ما يكون بوصف الغير بعيب غير معين ومباشر، كوصفه بأنه بذيء اللسان أو سيء الأخلاق وغيرها، ومنها ما يكون بتوجيه العيوب الضمنية للغير، كأن يكون الغير طويل القامة فيقول له الطول طول باب والعقل عقل ذباب، فهذه تعدّ قرينة على الصاق عيب للغير يجعله محلًا للازدراء.
أما القذف فينشأ عندما يقوم الشخص بإسناد واقعة للغير بإحدى طرق العلانية تؤدي للمساس بشرفه أو اعتباره، والأمثلة على القذف كثيرة ومتنوعة حالها من حال السب، فمن المتصور أن يكون مباشرًا بإسناد واقعة الزنا للغير كأن يقول له يا زاني، ومن المتصور أن يكون ضمنيًا كأن يقول للغير يا فاجر، فهذه تعدّ قرينة على اسناد واقعة تؤدي للمساس بشرف الغير.

ويتبين لنا بعد ذلك بأن السب والقذف يعدّان من أخطر وأبشع آفات اللسان التي استنكرها العقل قبل القانون، وحذّرت منها الشريعة الإسلامية، نظرًا لأنها تنتزع الخصائص الإنسانية من الإنسان، وتَسمه بالوحشية والسفالة.

ونتيجة لذلك، فقد أضحى من الأهمية أن يتدخل المشرعين بسّن قوانين إلزامية تضع حدًا لهذه الآفات، وتحقق الردع بصورتيه العامة والخاصة، حتى لا نكون في شريعة غاب يلتهم فيها الكبير الصغير، ويستغل فيها القوي الضعيف، فيضيع الأفراد وتضيع معهم حقوقهم في حفظ كرامتهم واعتبارهم وشرفهم.

لأجل ذلك قام المشرع البحريني بتجريم السب والقذف في المرسوم بقانون رقم (15) لسنة 1976م بإصدار قانون العقوبات، وبالتحديد في الفصل الرابع تحت عنوان القذف والسب وإفشاء الأسرار، فعقوبة السب حسبما جاء في المادة 365)) هي: الحبس لمدة لا تتجاوز سنة أو بالغرامة التي لا تجاوز مائة دينار، ومتى ما كان الضحية يتقلد وظيفة عامة، ووقع السب في حقه أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأديته لمهام وظيفته، كانت العقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز سنتين والغرامة التي لا تجاوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، وأما بالنسبة للقذف فقد حددت المادة 364)) من نفس القانون عقوبته بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بالغرامة التي لا تجاوز مائتي دينار، وفي جميع الأحوال يعدّ ظرفًا مشددًا إذا كان السب أو القذف قد وقع بطريق النشر في إحدى الصحف.

في الختام ينبغي أن ننوه للقارئ الكريم بأن جريمتي السب والقذف، من الجرائم المعلقة على الشكوى، ومفاد ذلك بأن الجهة التي منحها القانون سلطة رفع الدعاوى الجنائية باسم المجتمع، قد حظر عليها رفع الدعاوى الجنائية الناجمة عن جريمتي السب أو القذف، ما لم يقوم المجني عليه أو وكيله الخاص بتقديم شكوى رسمية للنيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي، ولعل من المفيد أن نقول بأن هذا الاتجاه لم يجانبه الصواب لكونه يترك حق المجتمع في اقتضاء حقه بعقاب الجاني لمشيئة المجني عليه، ناهيك عن إهدار فكرة تحقيق الردع العام، فلا يمكن أن يتحقق الردع العام ما دام رفع الدعوى الجنائية متروك لإرادة المجني عليه.