الشيخ ناصر بن سليمان بن راشد بن عمر بن سعيد بن ذيب الرستاقيّ اللمكيّ
ليلى بنت سعيد اللمكية
وُلد في قريةِ الظَّاهر بولاية الرستاق في سلطنة عُمان في منتصف القرن الثالث عشر الهجري(يوافق ما بين السنوات 1785 إلى1881 للميلاد)، من أبنائه سليمان ومحمد ونبهان وعليّ وراشد.
بنى الشيخ ناصر بن سليمان الأول حصناً عُرِف بِبَيْتِ الظاهر أو البيت العود عام (1885م/1302هـ) أي منذ حوالي(135) عامًا قد مضت، وموقع البيت في وسط القرية، ولهذا يمر فلج المُيَسّر بداخله، وفيه برجان: أحدهما في الجهة الجنوبية والآخر في الجهة الشمالية، ويتكون من طابق أرضي فقط؛ لأنه لم يكتمل بناء البيت الْعُوُد في قرية الظاهر، ومن الروايات التي ذُكِرَت حول أسباب عدم اكتمال البناء: أن الشيخ ناصر سافر إلى زنجبار لإحضار أدوات ومواد لاستكمال البناء، لكنه توفي هناك.
يتزين البيت العود بنوافذه الخشبية الجميلة المطلة على مزارع النخيل وساقية الفلج، والتي لا تزال تكتسي ببقايا اللون الأخضر والسماوي، وما يُزيّن البيت من الداخل الروازن، والتي تُقَسّم غالباً إلى قسمين، وتستخدم لوضع الأدوات المتنوعة من زينةٍ وكماليات وأطعمة، ولقد سقط- للأسفِ الشديد- السور الداخليّ للبيت الْعُود، ولكن لا تزال أبراجه قائمة.
وما يلفت الانتباه عند مدخل البيت الْعُود وعلى الجدارِ خلف الباب الرئيسيّ نُقِشَتْ أَبْيات شِعْرِيّة بخطِ الوالد الشيخ حميد بن سليمان اللمكي– رَحِمَه الله– يقول فيها:
يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ في التُرْبِ أَعْظُمُهُ فَطَابَ مِنْ طِيبهِنَّ الْقَاعُ وَالأَكَمُ
نَفْسِي فِداءٌ لِقَبْرٍ أَنْتَ ساكِنُهُ فَيه العَفَافُ وَفيهِ الجُودُ والكَرَمُ
وإن تلك الأبيات لدليل على محبَّةِ الناس للشيخ ناصر نظرًا لاتصافه بالكرم والجود، ولأعماله العظيمة، وحرصه على نشر العلم وبناء الأماكن لتدارسه، واهتمامه ببناء المساجد، ونظرته المستقبلية لاستمرار عطاء تلك الأماكن لما خُطِّطَ له بتخصيص أموال وَقْفِيَّة لها لتكون له صدقات جارية.
ومما يؤيد ذلك بناء الشيخ ناصر مسجدًا –عُرِفَ بمسجدِ بني لمك– وكذلك بنى مدرسة لتعليم القرآن الكريم، أوقف لهما من أملاكه من الضواحي الزراعية من سُقيا فلج المُيَسّر.
وقد أوقف الشيخ مكتبة بالبيت الْعُود بها عدّة كتب، ونُقِلَت المكتبة إلى المسجد؛ وذلك بسبب اندثار البيت الْعُود، ولا تزال المكتبة موجودة إلى وقتنا الحاضر. ومن الكتب التي يحتويها مسجد بني لمك في الوقت الحاضر ما يلي:
1.جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار للشيخ سعيد بن علي المغيري.
2.الإيضاح للشيخ عامر بن علي الشماخي الأجزاء(الثالث،الرابع،الخامس،السادس،السابع).
3.شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم للعلَّامة نشوان بن سعيد الحميري الأجزاء (الثالث،الرابع،الخامس ).
4.لباب الآثار صنفه الشيخ سالم بن سعيد الصائغي الجزء الثالث.
5.لباب الآثار الواردة على الأولين والمتأخرين الأخيار للعالم السيد مهنا بن خلفان بن محمد البوسعيدي الجزء السابع.
6.الدليل والبرهان لأبي يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني المجلدين(الأول والثاني).
7.مختصر البسيوي لأبي الحسن الشيخ علي بن محمد البسياني.
8.ديوان أبو مسلم البهلاني للشاعر ناصر بن سالم بن عديّم الرواحي.
9.ديوان وحي العبقرية للأديب الشيخ عبدالله بن علي الخليلي.
10.ديوان المعولي للشاعر العلَّامة محمد بن عبدالله بن سالم المعولي.
11.ديوان الستالي للشاعر أبو بكر أحمد بن سعيد الخروصي.
ولقد إطلعنا على وثيقة كتبها عبدالله بن ناصر بن سليمان اللمكي مؤرخة في(14 ذي القعدة عام 1309هـ)، وهي عبارة عن وقف لكتاب (الجزء الثاني من شرح التبيان للعكبري على ديوان أبي الطيب أحمد ابن الحسين المتنبي)، وحسب الوثيقة يُرَاعَى أن يُحفظ هذا الكتاب في المسجد وقفاً أبدياً لا يُبَاع ولا يُوْهَب ولا يُوَرَّث حتى يَرِث الله الأرض ومن عليها.
ولقد اهتمّ الشيخ ناصر ببناء الأماكن التي تخدم الناس وتعينهم على أمور الدين والعلم، وتُسَهِّل لهم أمورهم الاجتماعية، فقد قام ببناء مجلس عامّ لجماعة بني لمك في قرية الظاهر في عام(1307هـ/1890م)، ويتضح من تاريخ البناء أن الشيخ ناصر( الأول ) زار عُمان شخصياً بعد هجرته إلى زنجبار بثمانية عشر عامًا، وحضر ترتيبات بناء المجلس، لأنه في هذه الفترة كان والياً من قبل السلطان برغش بن سعيد بن سلطان البوسعيدي على دار السلام في شرق أفريقيا.
ومن خلال تحليلنا لوصية الشيخ ناصر بن سليمان بن راشد وجدنا بأنه أوقف الكثير من أملاكه لبناء المساجد في عُمان وبناء مدرسة لتعليم القرآن وغيره من العلوم، فعلى سبيل المثال أوصى بتعمير مدرسة لتعليم الصبيان القرآن الكريم بجانب المسجد في موضع يُقال له اَلْمَجْحُوسَيَّة في الرستاق، ثم وقفه لماله المسمى اَلْمَرْخِيَّة في الرستاق من سُقْيَا فَلَج اَلْمُيَسَّر، الآيلة إليه بالشراء من أولاد شيخان، وأنه من خلال هذا الوقف جعل عاملاً في المسجد والمدرسة، وعليه أن يؤذن للصلوات ويصلي بالناس جماعة، وأن يقوم بما يحتاج إليه المال من فسل، وأن يقرأ في اليوم أربعة أجزاء من القرآن الكريم، جزئين للمُوصِي-الشيخ ناصر-وجزءًا لأمه وجزءًا لأبيه، ويخرج ذلك كله من غَلَّة هذا المال.
وكان لدى الشيخ جلبةِ اَلْغَافَّة في الرستاق أيضًا، الآيلة إليه بالشراء من سيف بن ناصر بن سيف الشقصي، أوقف إليه من سُقْيا فلج المُيَسَّر من أجل صيانة المسجد والمدرسة وما يحتاجان إليه من شراء الفرش وزيت المصباح، وأيضاً تُصنع من غلة هذا المال فَطْرَة الصائم بشهرِ رَمَضَان، وفي يومِ عَرَفَة جونية أرز ولحم فيأكل القائمون في المسجد والمدرسة ومن يحضر، وإذا تَبَقّى شئ من الغَلَّة يُشترى به أكفان للفقراء الذين يموتون ولا شئ عندهم.
وَقد أُعيدَ بِنَاء المسجد ومدرسة تعليم القرآن ومجلس جماعة بني لمك على يد أحفاد الشيخ ناصر بن سليمان بن راشد اللمكي عام(1411هـ/ 1990م).
ولا يزال أحفاد الشيخ ناصر بن سليمان بن راشد اللمكي يزورن ولاية الرستاق موطنهم الأم في المناسبات الدينية كالمولد النبوي ورأس السنة الهجرية، ويعقدون اجتماعاتهم مع أفراد القبيلة وأبناء عُمُومَتِهم من أولاد راشد القاطنين في ولاية الرستاق.
عندما سافر الشيخ ناصر إلى شرق أفريقيا، أصبح من المقربين لسلطان زنجبار برغش بن سعيد بن سلطان البوسعيدي ( 1870-1888م)- فعينه والياً على بلدة بوجامويو، وعندما توفِّي خلفه في ولاية بوجامويو ابنه الشيخ سليمان، ويذكر المغيري في كتابه جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار أن الشيخ ناصر بن سليمان بن راشد اللمكي من وُلاةِ السلطان برغش على كل من دار السلام ومنطقة كلوة كافنجي ولم يحدد تاريخ الولاية.
ولقد أهدت شركة ألمانية عام(1305ه/1887م) إلى ناصر بن سليمان بن راشد اللمكي كَتَّارَة مكتوب في حديدتها “إكرام شركة المانية لناصر بن سليمان اللمكي برلين 1305هجريا”، وفي جانبه الثاني مكتوب”من غير سبب لا تسلكوني من غير مجد لا تغمدوني، نصر من الله وفتح قريب”، ولعل هذا سهو من الكاتب في إهداء هذه الكتارة إلى الشيخ ناصر بن سليمان بن راشد؛ لأن المشهور إهداؤها إلى ولده الشيخ سليمان بن ناصر بن سليمان بن راشد اللمكي، والله أعلم.
كان للشيخ ناصر علاقات ودية مع حكام وأئمة وطنه الأم عُمان، ويظهر ذلك من خلال المكاتبات بينه وبين الإمام عزان بن قيس البوسعيدي، حيث أرسل الأخير برسالة للشيخ ناصر يطمئنه على أحواله وأنه –كما ورد نصاً في الرسالة- في صحة واعتدال وعز وإقبال، وأنه يبلغه السلام ويَطْمَئِنّ على صحتِه، ويطلب منه عدم الانقطاع في التواصل معه عند أي حاجة يرغب بها،ويبلّغ السلام لأولاده وأصحابه في مجلسه.
ولم نجد تاريخ لوفاة شيخنا الجليل ناصر بن سليمان (الأول) بن راشد بن عمر بن سعيد بن ذيب اللمكي، ويمكن تحديد فترة وفاته بالتقريب ما بين 1895 – 1900 م.