مواكب الحزن والألم
سليمان بن حمود المعمري
تتزاحمُ مواكبُ الموتى لتنقل راكبيها إلى محطاتهم الأخيرة لتعود مجدداً لتقلّ رُكّاباً جُدداً ليتكرر المشهد، مشهد فقدان الأحبة دون سابق إنذار أو مهلة للانتظار لتتضاعف الأوجاع وتخور النفوس، وتذهل الأبصار، وكلٌ يديه على قلبه، أحانت ساعة الرحيل أم أن يجعل له الله أمداً بعيدا؟
ليس الموت بالأمر الجديد أو المشهد النادر، بل هو الحقيقة الدامغة التي لا عِوج فيها ولا مصروفٌ عنها، ولكن تكرار المشهد وتتابُعه هو ما يبعث في النفس الحيرة ويُوقد في القلب الهلع ويُدمي مقلة العين، فتتوالى علينا أخبار رحيل من نحبّ وغياب من نعزّ لنبقى حيارى ونتخبط وكأننا سكارى وما نحن بسكارى ولكن هول المصيبة شديد.
وحال من يصله الخبر أيمسكه على هونٍ أم يدسه بين جنبيه لتخنقه العبرة وتهزه الذكرى ويعيش لحظات عصيبة لا يقوى على تجاوزها ولا نسيانها.
ومع حلول هذه الجائحة المفزعة تبدلت مظاهر الفرح، وتغيرت أشكال الحزن، وتبددت أحلام اليقظة، وتاهت خطوات السعادة، وليس هذا الوصف شؤماً وتذمراً بقدر ما هو لسان حال الجميع، فأصبح الحديث واحداً والهمّ نفسه والسؤال ثابت، والفكر مقيّد والأمزجة متعكرة وأضحت الحياة لا طعم لها ولا لون، لا أمل يلوح في الأفق، ولا انبلاج فجر منتظَر، ولا سراب بعيد يُرتجى، فأيّ فرج أنتم له صابرون؟
ومع كل ذلك، فالأمر لطف من الله خفيّ ومددٌ عظيم وخير عميم.
ولو كنا نعلم الخير لاستكثرنا منه، وما من نفسٍ ترحل إلا على الله ثوابها، وإن كان الرحيل إلى الله فطوبى الرحيل، عند ربٍّ كريم لا تضيع عنده المظالم، في كتاب عنده لا يضلّ ربي ولا ينسى، لتكون لنا هذه المحنة منحة للرجوع إليه سبحانه وتعالى لنبدد ماضي التقصير في جنبه الكريم، ليجعل لنا من الناس عبرة ولا يجعلنا للناس عبرة فهل من مُدَّكِرٍ؟