كورونا غير أحوالنا وعاداتنا وتقاليدنا التراثية الرمضانية
سليمان بن يوسف الخروصي
تعد التجمعات بالمجالس من أبرز العادات التراثية التي يحافظ عليها المجتمع العماني، لكن فيروس كورونا أطفأ بريقها بقلة روادها، تحت وطأة إجراءات احترازية للوقاية من الوباء.
خلال رمضان، تتميز الأماكن باستضافتها لموائد الإفطار، ولكن المجتمع يفتقد لعامين متتاليين تلك العادات والتقاليد الرمضانية المتعارف عليها، وعلى رأسها الزيارات الاجتماعية.
ومن أجل الاحترازات الوقائية قررت اللجنة العليا منع التجمعات والزيارات الاجتماعية بالأماكن المغلقة في المنازل والمساجد والمجالس، وعدم السماح بذلك، ولهذا أصبحت الزيارات الاجتماعية العامرة في الشهر الفضيل أولى ضحايا الجائحة، بالإضافة إلى الخيم الرمضانية التي لم تُنصب ليتسابق بها أهل الخير بتقديم الإفطار لسالك الطريق وللجاليات المسلمة، وعقب أداء صلاة التراويح، كان الناس يتجمعون في المساجد و المجالس، ويتبادلون أطراف الحديث، وهي من بين تقاليد وعادات يتوارثها العمانيون.
إلا أن جائحة كورونا أرخَت بظلالها القاسية على مختلف مظاهر الحضارة الإنسانية الحالية، وقد تأثَّر المجتمع الإنساني وأبعدتها دوامة الحياة والاتصالات الافتراضية عن واقع الحياة الاجتماعي الطبيعي، تنتظر رمضان بشوق لتنتظم في فيلق المناسبات الاجتماعية المختلفة التي كانت تُعقد بالتواتر في أمسيات الشهر الفضيل، و كانت صلاة التراويح في الجوامع لوحدها من أبرز المناسبات الشعائرية التي كانت تجمع القاصِي والداني بعد عام تام.
وكما أن الغالبية كانت تتجمَّعُ في تلك الجوامع والمساجد الجماهيرية تآزرًا على الطاعة ونوعًا من التواصل والتآلف الاجتماعي من خلال الصلوات الجماعية، التراويح والقيام.
كما أن هذه الصلوات التي لا تؤدى حالياً في المساجد؛ حفاظًا على سلامة المصلين وأمن الصحة بالمجتمع؛ ترافقت مع قرار منع الزيارات الأسرية والمناسبات التي كانت تُعقد في المطاعم والفنادق والمجالس والسحور وأحيانًا الإفطار (في الخيام الرمضانية).
أن الموجة الثالثة من الوباء أصبحت تهاجم بشراسة المجتمع؛ ما جعل أمر عقد الاحتفال بـ(القرنقشوه)، الذي كان يُصادف ليلة منتصف رمضان ويُشارك فيه بالأساس الأطفال قبل الكبار، أمرًا مستحيلًا وسط هذه الأجواء التي تحكمها الشرائط الصحية والقانونية.
أرجو من الله تعالى أن يُعيد تلك العادات الحضارية ويعود أوضاعنا إلى سابق عهده وأفضل من ذلك، وأن يرفع الله عنّا وعن الإنسانية جمعاء هذا الوباء والبلاء.
ليس المجالس وحدها، كعادة اجتماعية هي فقط الباقية، إذ تحتفظ موائد كل منزل عماني منذ عقود من الزمان بأطباق مختلفة حافظت الأجيال المتعاقبة على معظمها، فنجد على الإفطار الرمضاني مثلاً: الثريد والهريس والمبصلات باللحم أو بالدجاج والمقبلات؛ مثل الشوربة والسمبوسة والساجو والمحلبية وبعض المشروبات مثل الحار بارد ومشروب الشارج.
ويأتي بعدها وجبة السحور في وقت متأخر من الليل، وأكثر ما تحتويه المائدة هو السمك الطازج مع الأرز الأبيض والصالونة أو المشاوي
ورغم التطور الاقتصادي والمجتمعي، ما يزال “المجلس” العماني يُمثل تراثًا بصبغة حديثة كعلامة من علامات التواصل بين أفراد المجتمع وتعزيز العلاقات بينهم، وتحافظ عليه الأغلبية حتى لو تغير شكله القديم.
وللمجالس طقوس خاصة بها، فتبدأ باستقبال الضيف الطيب وأخذ الأخبار والعلوم كعادة عند كل عماني من الروتين، واحتساء القهوة العمانية المزعفرة، ولا ينصرف مُقدم القهوة إلا بعد تحريك الفنجان بطريقة معينة، كما تقدم له التمور أو الرطب، حيث يعتبران (القهوة والتمر) جزءًا من طقوس كرم الضيافة.
ولا تخلو المجالس من أطعمة مختلفة ذات طابع شعبي وتراثي، مثل: الدنجو، واللقيمات، والمحلبيه، وشوب بالعسل وغيرها ..
اللهم ارفع عنا الوباء.