نتفق ثم نربي
أحمد بن موسى البلوشي
من الأمور المسلم بها اكتساب الأبناء المعارف والعلوم والخبرات والسلوكيات من قِبل والديهم بشكل خاص، ومن قِبل الأسرة ثمّ المجتمع بشكل عام؛ فإذا كانت هذه التوجيهات التربوية مبنية على تفاهم واتفاق بين الأبوين، فإنّ ذلك سيسهم لا شك في خلق جيل يتّسم بالاتزان، والنضج.
إن العلاقة الإيجابية، والروابط الأسرية بين الأبوين أمر في غاية الأهمية وفي توفير الأجواء الأسرية المطلوبة لتربية الأبناء، وصناعة جيل يُعتمد عليه، حيث أن هذه العلاقة المتميزة بالتفاهم والتشاور والاتفاق والحب في تربية الأبناء لها الأثر البالغ على كافة جوانب التربية بدءًا من الصحة النفسية، والتفوق الدراسي، والعلاقات الاجتماعية، والسلوكية وغيرها من الجوانب، فالتفاهم بين الوالدين يؤدي إلى بناء أسرة مثالية يسودها الهدوء والأمان الأسري، فلا توجد سيطرة مطلقة لطرف دون غيره في التربية فكل واحد مكمل للآخر، ولابد أن نشير هنا لنقطة في غاية الأهمية وهي أنّ الأب لا يستطيع أن يقوم بدور الأم في تربية الأبناء، وكذلك الأم لا تستطيع أن تقوم بدور الأب إلا في بعض الحالات الاستثنائية حيث يقوم كل واحد منها بدور الآخر، ولكن ليس بالصورة الحقيقية.
إنّ التربية المبنية على تفاهم الوالدين في اتخاذ القرارات الأسرية هي التي نبحث عنها حيث تصنع لنا أفراداً أسوياء، فلا يجوز للأب أن يثبط دور الأم في التربية ولا العكس، فإصدار التوجيهات من الوالدين للأبناء لابد أن تتم أولاً في حلقة مقفلة بين الوالدين قبل توجيهها لهم لما لذلك من مردود إيجابي عليهم، فلا يجوز للوالدين أن يظهرا أمام أبنائهم اختلافهم في القرارات التي تصدر منهم، وليس من الصحي أن يتم مناقشة هذه التوجيهات وإظهار الخلاف أمامهم، حيث أوضحت بعض الدراسات أنّ الجدال بين الأبوين، واختلاف التوجيهات يؤثر سلباً على الصحة العقلية والنفسية للأبناء، وعلى تطور نموهم، وعلاقاتهم المستقبلية، وإصابة الأبناء على المدى البعيد باضطرابات السلوك.
ربما بشكل عام نجد أنّ الأب لديه الرغبة في التمسك برأيه ورفض الرأي الآخر وهو رأي الأم، وهذا يعتمد على شخصية وطبيعة الأب هنا، إلا أنّ التمسك بالرأي ليس صائباً في جميع الأحوال، فالسماع للطرف الآخر ومناقشته وتفهم وجهة نظره أمر صحي، حيث نجد أنّ أكثر مشاكل تربية الأبناء هي عدم توافق وجهات النظر بين الأبوين، وبالتالي تؤثر سلباً على طريقة تربيتهم وتوجيههم التوجيه السليم.
أخيرًا يمكننا القول بأنّ الاتّفاق بين الأبوين هو أساس التربية السليمة، خاصّة على أساليب تربية الأبناء في محيط الأسرة، كما أنّ العلاقات التي يسودها التعاون والتفاهم والاتفاق، تؤدي إلى خلق البيئة المناسبة لتحقيق أهداف التربية التي نسعى لها.