مصابيح رمضان
الدكتور / علي زين العابدين الحسيني
يلتقي الفقراء والأغنياء في رمضان تحت مظلة مشاعر واحدة؛ كالشعور بالجوع والعطش، وتجمعهم غاية واحدة يسعون جميعاً في تحصيلها طيلة هذا الشهر الكريم كل حسب حاله، فيحاول كل فردٍ التزود من الأعمال الخيرية، وأغرب من الشعور والغاية تلك الأمنية المتفق عليها التي تكاد محل أماني الجميع أن يكونوا من بين العتقاء من النار.
وأعجب ما في شهر الصوم أنه يحيا فيه الشخص حياة واحدة هي مزيج من جملة ألوان؛ لأن أعمال البر متعددة، وفيه تزيد الحسنات، وتتضاعف الأجور، ويتميز بمظاهر عبادات لا توجد في غيره؛ كصلاة التراويح وتحري ليلة القدر والاعتكاف، ويعيش الكلّ تحت رحمة الله عز وجل وواسع فضله.
في هذا الشهر العظيم منحٌ ربانية وفرصٌ عظيمة يجب ألا تضيع منك، أو تفوتها بغفلتك عنها بشؤون حياتك، ومن هنا تأتي فكرة وضع برنامج عام لأيام الشهر يختلف عن بقية أيام السنة، حتى إذا قربت العشر الأواخر أو دخلت نظرتَ في برنامجك الرمضانيّ فجددت فيه ما يزيد من رغبتك في مضاعفة الأجور، والنفس إذا لم تتقيد ملت وكسلت.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها، فيعتكف فيها، ويتحرى ليلة القدر خلالها، ويستغرق ليله بالسهر في الصلاة، ويوقظ أهله للقيام معه، ويجتهد في العبادة هذه الأيام زيادة على المعتاد، ويشمر عن ساعد الجد فيها، وفعله إن دلّ فإنما يدلّ على قضية اغتنام الأزمنة المباركة، ومبادرة الأوقات في الطاعة.
إنّ مصابيحَ رمضان الربانية مُضاءةٌ لك طيلة الشهر العظيم، وكلما انقضى يوم من أيامه أذهب ذلك من أنواره، فَتفْقد نفحاته شيئاً فشيئاً، حتى إذا انتهى رمضان لم يجد الشخص المقصر فيه نوراً من أنواره المباركة، وكان الناس ولا يزالون يعدون من الواجبات إذا دخلت العشر أن ينشغل المرء بنفسه، ويمضي غالب أوقاته في العبادة.
مَن كان حريصاً على نفسه تعرّض لهذه المصابيح التي فيها نفحاته، وأخذَ منها ما يتزود به في بقية شهور السنة، وفي آخر رمضان رجلان أحدهما موفق، وآخر محروم دخل في رمضان وليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، فالزم الجدّ فيما بقي من أيامه خصوصاً في هذه العشر، وتشبعْ بأنواره، فما هي إلا أيامٌ معدودات.