حياتنا بالتفاؤل أجمل
د. رضية بنت سليمان الحبسية
استاذ مساعد بقسم التربية والدراسات الإنسانية
كلية العلوم والآداب- جامعة نزوى
في خضم المتغيرات العالمية وتوالي الأزمات العصرية، تتزايد حالات التوتر والاضطرابات، وتتباين معها أساليب التعامل والتكيّف على مستوى الأفراد والعائلات. كما لا تخلو حياتنا من تحديات تعترض مسيرتنا اليومية، أو تعيق تحقيق طموحاتنا المستقبلية. ولها من الآثار والانعكاسات النفسية، مما تؤثر على أنماط تفكيرنا، وآليات تعاطينا مع تلك المصاعب والمتغيرات، حتى يجد الفرد نفسه عاجزًا عن مواصلة الطريق، بإيجاد بدائل واقعية أو حلول منطقية.
ولتجاوز المحن والأزمات المفاجئة، تأتي أهمية التفاؤل لتحويل المحنة إلى فرصة، والتحدي إلى عزيمة؛ لضمان سيرورة الحياة الإنسانية. حيث تُشير لفظة التفاؤل إلى: استعداد نفسيّ يهيّئ لرؤية جانب الخير في الأشياء والاطمئنان إلى الحياة(معجم المعاني الجامع). فالتفاؤل إذن شكل من أشكال التفكير الإيجابي للأمور، والنظر للحياة من زواياها المشرقة، بعيدًا عن اليأس والقنوط. وقد حثّ ديننا الحنيف على التفاؤل في العديد من آي الذكر الحكيم، بقوله تعالى: {وَلاَ تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}-(يوسف، الآية: 87).
للتحديات نتيجتان: إما أنّ تنغمس في بئر السوداوية، أو تُحَلِّق في فضاء التفاؤل والإيجابية. فلكل منهما نتائجه ومظاهره المعيشية، وتأثيراته على العلاقات الاجتماعية. وبطبيعة الحال فبالسلوك الإيجابي يُحسن الفرد تقدير الواقع، ومعها تتحول التحديات إلى متعة، ومع الصبر والعمل تتحول لحظات الشقاء إلى إرادة مؤكدة وعزيمة مُحقَّقَة، وصولًا إلى حياة مستقرة، وعلاقات متزنة. قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}- (الزمر، الآية: 53).
إنّ للتفاؤل استراتيجيات وأساليب، تُساهم في تغيير نظرتنا إلى الواقع، بدلًا من المناشدة بتغيير الواقع ذاته؛ ذلك أنّ الفرد يمتلك مقومات وأدوات تغييره لرؤية الأشياء والأحداث، خلافًا لعدم قدرته على تغيير ما يُحيط به من مستجدات أو معوقات. ولتغيير أسلوب تفكيرنا، يتطلب الأمر إسقاط تراكمات الماضي، وإدراك جماليات المستقبل، وتقوية الدوافع لبلوغ الأمل المنشود، ومعها تتضاعف فرص التغلب على تلك العراقيل والصعوبات. وهنا نؤكد على مقولة ” ابدأ بالتغيير من داخلك”، ومقولة “غيّر طريقة تفكيرك تتغيّر حياتك”، فبأفكارنا نصنع واقعنا.
ومن تقنيات ترقية التفاؤل في نفوسنا: الابتعاد عن مصادر الإحباطات، أو مجالسة مرضى النفوس وناشري الشائعات. وبالمقابل تعزيز عوامل المُحفزات، والتواصل مع ذوي الهمم والإيجابيات. ومن خلال تدريب ملكات العقل على التفكير بإيجابية، والعمل بنظرة تفاؤلية، يُصبح الفرد ممكّنًا من تبديد مُحركات التشاؤم، وتخطي مؤثرات الفشل، وصناعة واقع أجمل.
ومع آليات أكثر يُسر لرؤية الأشياء بشكل مختلف، تكرار واستئناس عبارات التفاؤل حتى تصبح عادة، وتطبيقها مهارة، في التفوق على صروف الدهر وعواثر الأيام. كما إنّ الإنسجام بين التفاؤل وإيجابية التفكير، تمنح الفرد قوة وقدرة على قراءة الواقع ومواجهة تحدياته. فمن خلال التأني في التفكير، وإرجائه لحين هدوء النفس، وسكينة القلب، سيكون فهمه للظرفية أوضح، وتفسيره لحيثيات الموقف أنجع وأجدى، وبالتالي مجابهة الشعور بالتعاسة والنكد، والاستبشار بمستقبل أفضل. قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}- (آل عمران، الآية: 139).