2024
Adsense
قصص وروايات

الغريب

نعيمة المقراني

غريب يقتحمني بظله المسيطر فيربك حيائي، و تتسلل عيناه من بعيد نحوي، فأغرق فيه دون مقاومة، أعلن ولائي له في صمت وهو يقارع صفحاته أمامي في إصرار مثير، وتضم شفتاه سيجارة كأنه يقبلها في حنو.

صارت رؤيتي له إدماناً لذيذا، ولعنتي الجميلة التي لا أريد منها فكاكا، أسافر إليه بخيالي وأنا معهم، و تشرق عيوني عشقا لذكر اسمه، يستغربون خضوعي لرجل لا يسكن الأرض و السماء، بل يستقر في محيطي، أنفض عني فضيلتي وأمد له جسر الوصول نحوي؛ لكنه كان قد هدم أسواري واحتلني منذ زمن، أعيش معه حكايات يسردها بنفس لهفته وحنينه، وأعشق الحروف التي ينطقها في سلاسة، كأنها عقد ثمين يرتبه في انتباه ورقي، وذاك المبسم سرق مني توبتي.

يعيدني طيفه كل مرة إلى ذات المكان، فأنشده توقاً وشوقا، يا لعبث القدر معي، فقد كنت المتمنعة التي تكسر مجاديف الوصول إليها قبل أن تنطلق، وها إنني أرفع أشرعتي وأبحر نحو غريب عله يقبل عشقي قربانا، عله يزرع أنفاسه في أعماقي فتنبت منه قبائل في شراييني.

وجوده رائع كروعة الشباب لذيذاً كلذة التحدي، مفعم بالكبرياء والرجولة، كان قلبي قبله قد شبع هرماً و هزمني الجفاء، خلت لوقت طويل أني أغلقت مدينتي، ورميت مفاتيحها في هوة بعيدة القرار، فشرّع هو أبوابها من جديد و تسلل الدفئ إلى ثنايا قلبي.
ذاك الغريب صار مني وصار كُلِّي، هو الذي أخاف أن تؤذيه الحياة، فتتأذى روحي و تتسرب مني، ضحكته دعواتي المستجابة، وعندما يتكلم تتخدر حواسي وتشرق شمسي وتطير الألوان؛ لتزين عالمي، فلا غيره يتقن الفرح، ولا غيره يرسم في قلبي طريقاً وردياً تسير فوقه الأمنيات الحسان، وكلما أرهقتني الأيام أتسلل لمحادثاته بحثاً عن طمأنينتي، وأتكأ على دعواته؛ لأكمل دربي، ومن شفتيه يسقيني ماء الحياة، فأرتوي وأزهر.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights