بعد منتصف الليل
عصماء بنت محمد الكحالية
الثالثة بعد منتصف الليل بتوقيت هذه القوقعة، وأنا لا أشعر سوى بالاختناق، أهرب من هذه الغربة الشاسعة لأعود إليها أحاول جاهدة فقدان ذاكراتي فلا أستطيع.
كلما تركتها جانباً بهدوء وجدتها عادت أشد التصاقاً بي، تباً لذاكرة لا تشيخ، ذاكرة تلتصق بنا حد الوجع، لا تهمل قصاصة أو ذرة غبار علقت بنا ذات يوم إلا وباغتتنا بها.
ذاكرة تغوي الدموع والحزن لتتركنا كقطعة حرير أبلاها الزمن، لوحة مهمشة على برواز تآكله الصدى، الآن حقاً أشتهي أن أضيع في مدينة كبيرة، مدينة بشوارع ممتدة قسيمة تتوزع منا ما بين الظلمة والنور، الباعة في كل مكان سككها وأسواقها مكتظة بالعشاق والأصدقاء و العائلات التي تفوح منها رائحة الحميمية، مدينة يصرخ سكانها في وجوه الأشياء ليتحدثوا عن أحلامهم، مدينة لا يخشى سكانها فيها البوح بأخطائهم، مدينة عكس القوقعة التي لا يتحدث أحد فيها عن أي شي فيما عدا ما سأكون؟
لو كان لهذه القوقعة ثغرة لألقيت بنفسي في البحر، لرحلت بعيدًا حيث تحلق روحي في الفضاء دون أن تصطدم بصمت البحر وأسمع جداً والغرف مرحلة الاختناق بيما في هذه المحارة الضيقة الناس تختفي دون مقدمات.
يقول لي: بأنة قد نمالي جناحان لذلك لم أعد راضية بالمشي البطيء وسط هذه المقابر والسكك الضيقة والجبال الجرداء.