2014
Adsense
قصص وروايات

صراع مع الزمن .. قصة قصيرة (الجزء الأول)

سليمان بن حمد العامري

تغير كل شيء وعَمَّ الحزنُ أرجاء المنزل نعم هكذا كانت نور تروي أحزانها لصديقاتها في الجامعة، نور الآن تبلغ من العمر عشرين عامًا… كان هو كل شيء بالنسبة لي، كنت أحيانًا أنام بين يديه وأشعر بالأمان، كان لطيفًا ودودًا معي ومع جميع أفراد العائلة رغم حزنه وألمه والقسوة التي يتعرض لها.

شاب ذو بشرة بيضاء، طويل القامة، ومتوسط البنية، انطوائي في العقد الثالث من عمره، يجلس في غرفته أمام الكمبيوتر، محاطًا بالأوراق والكتب، كان يعمل بجد على إنهاء مشروعه الدراسي، إذ إنه في السنة الرابعة من دراسته الجامعية في الهندسة، كان طموح محمد كبيرًا؛ فهو لا يحب الخروج، ويفضل العزلة، ويقضي معظم وقته في الدراسة ليحقق حلمه، آملاً التخرج بامتياز والحصول على وظيفة مهندس في إحدى الجهات الحكومية.

بينما هو غارق في أفكاره ومهامه، قطع الصمت صوت صراخ عالٍ جاء من الطابق السفلي، كان صوت والده ينادي: محمد! أين مفاتيح المخزن؟ تركتها هنا! تجمد محمد في مكانه، إذ لم يتوقع هذا الصراخ المفاجئ. هبطت عليه موجة من الارتباك، ليس لأنه كان السبب، ولكن لأنه لا يحب هذا النوع من المواجهات التي تثير اضطرابه.

يعيش محمد مع والديه، وأخيه الأصغر، وأخته الصغيرة التي لطالما كانت الأقرب إليه؛ فهي تعشق قضاء الوقت معه، وهو من جهته يكنّ لها حبًا كبيرًا، ورغم الفجوة الكبيرة بين شخصيته وشخصية والده، إلا أنه يحاول أن يحترم توجيهاته وينفذ طلباته، لكنه لا يفهم أحيانًا الدوافع وراء بعض تصرفاته الصارمة.

بينما نهض محمد من كرسيه واتجه نحو الطابق السفلي ليبحث عن المفاتيح، حاول أن يحافظ على هدوئه، تذكر أن والده دائمًا ما يعبر عن قلقه من مستقبله، ويسعى إلى جعله شابًا قويًا، جاهزًا لمواجهة الصعاب، اقترب من والده بهدوء قائلاً: أبي، ربما وضعت المفاتيح في مكان آخر، دعني أساعدك في البحث.

بعد دقائق من البحث، وجد محمد المفاتيح في غرفة المعيشة تحت بعض الأوراق، ناولها لوالده بابتسامة خفيفة، وقال: ها هي، يبدو أنك نسيتها هنا، هدأت ملامح والده بعض الشيء، لكنه لم يرد سوى بهزة رأس سريعة متجهًا إلى المخزن، عاد محمد إلى غرفته وأغلق الباب، محاولًا نسيان التوتر الذي سببه الموقف، لم يستطع منع نفسه من التفكير في مشاعره تجاه والده، ولماذا يصعب عليهما التواصل بسهولة؟ يعلم أن والده يحبه ويرجو له الخير، لكنه يشعر بأن طريقة تعامله الصارمة قد جعلت بينهما جدارًا عاطفيًا.

تمدد على سريره وهو غارق في أفكار مملوءة بالطموح والآسى، أخذ يفكر في علاقته بوالده، وكيف أن التوتر الدائم بينهما يجعله يشعر بالوحدة أحيانًا، حتى وهو بين أفراد عائلته، كان يعرف أن والده يريد له الأفضل، لكن أسلوبه الحازم كان دومًا يترك في قلب محمد شعورًا بالثقل والحيرة.

وبعد بضع دقائق من مقاومة الأحزان، حاول العودة إلى دراسته، إلا أن صوت طرقات خفيفة على الباب قاطع أفكاره، كانت أخته الصغيرة، نور، تقف عند الباب وتبتسم له، قالت بصوتها اللطيف: محمد، هل يمكنك أن تساعدني في واجباتي؟ لم يستطع محمد رفض طلبها، فقد كانت أقرب الناس إلى قلبه، ابتسم قائلاً: بالطبع، تعالي واجلسي هنا.

بدأ يشرح لها بعض المسائل البسيطة، وبينما كان يساعدها، شعر ببعض الارتياح، كانت نور دائمًا تعرف كيف تُبعد عنه همومه ولو لبضع لحظات، كانت تمتلك تلك البراءة والضحكة التي تُخفف عنه الضغوط، فشعر وكأنه قد ابتعد عن مشاكله مع والده للحظات.

وعند انتهاء شرح المسائل لها، همّت نور بالخروج، لكنها التفتت نحوه وقالت: لماذا تبدو حزينًا يا محمد؟ لقد سمعت صوت والدي يصرخ، هل ضايقك هذا؟ تفاجأ محمد من سؤالها، لكنه اكتفى بابتسامة قائلاً: لا، لا شيء يا نور، لا تقلقي. كانت تعرف أنه يخفي شيئًا، لكنها لم ترد إزعاجه بمزيد من الأسئلة.

في تلك الليلة، كانت النجوم مضيئة، جلس محمد بالقرب من نافذة غرفته المطلة على حديقة البيت، ينظر إلى السماء التي تتزين بالجمال والهدوء الرباني، وهو يفكر في مستقبله وفي علاقته بعائلته، أدرك أنه عليه أن يجد وسيلة للتفاهم مع والده، كان يعلم أن هذا الأمر لن يكون سهلاً، لكنه ربما يحتاج فقط إلى خطوة بسيطة ليبدأ.

وفي صباح اليوم التالي، قرر محمد التحدث مع والده، انتظر حتى كانا وحدهما في المطبخ، ثم قال بصوت هادئ: أبي، أريد أن أتكلم معك بخصوص بعض الأمور، نظر والده إليه بتعجب، فقد كان نادرًا ما يتحدثان بشكل شخصي، جلس الأب بجانبه وقال: تفضل يا محمد.

تنهد محمد ثم قال: أعرف أنك تريد الأفضل لي، وأنا أقدر كل ما تفعله من أجلي، لكنني أشعر أحيانًا أن طريقتك في التعامل معي تجعلني أشعر بالتوتر، أريد أن أكون قريبًا منك، ولكنني أخشى أحيانًا التحدث إليك.
نظر والده إليه بملامح مختلطة بين الصدمة والتفكير، لم يكن يتوقع أن يتحدث محمد بهذه الطريقة الصريحة بعد لحظات من الصمت، وهو يتحدث مع نفسه: ربما لم أدرك أن طريقتي تؤثر عليه بهذا الشكل، وما أردته إلا أن يكون قويًا ومستعدًا لمواجهة الحياة، ومهما حاول محمد الوصول إلى قلب أبيه، فلا يجد إلا النفور والقسوة.

رغم أن محمد كان يقوم بكل ما يُطلب منه من مهام البيت، ويحرص على مساعدة عائلته في كل صغيرة وكبيرة، إلا أن قسوة والده لم تتغير، كان والده ينتقده باستمرار ويلومه حتى على أبسط الأمور، لم يكن محمد يفهم لماذا يظل والده غير راضٍ عنه، رغم أنه يبذل قصارى جهده ليحقق رغباته ويكون الابن المثالي.

أحيانًا، حين يشعر محمد بالإرهاق من الدراسة وأعباء المنزل، كان يتساءل مع نفسه: لماذا لا يقدّر أبي كل ما أفعله؟ كان يراقب عائلته ويحاول أن يُبقي البيت مرتبًا، ويهتم براحة الجميع، ولكنه نادرًا ما يحصل على كلمة شكر أو تقدير.

(يتبع)

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights