قصة .. لمحات من الماضي (الجزء الأخير )
سليمان بن حمد العامري
بعد أشهر من اختفاء سامي المفاجئ، لاحظ صديقه عبدالله التغير الكبير في شخصيته، لم يعد سامي ذلك الرجل المبتهج الذي يعرفه، وأصبح غائبًا حتى عن جلسات الأصدقاء المعتادة، قرر عبدالله أن يتصل به ليطمئن عليه.
قال عبدالله بقلق: سامي، ما الذي حدث لك؟ كلنا قلقون عليك، لم نعد نراك كما كنت.
تردد سامي للحظة، ثم قرر أخيرًا أن يبوح بما يثقل قلبه، بدأ بسرد قصته مع شذا، وكيف التقيا بالصدفة في المستشفى بعد فراق دام عشرين عامًا، أخبر عبدالله عن الشوق الذي استيقظ داخله، وعن محاولاته الفاشلة للعثور عليها بعد ذلك اللقاء، وكيف أنه لم يستطع نسيانها رغم مرور السنوات.
أصغى عبدالله بصمت، ثم قال فجأة: يا سامي، لو أخبرتني منذ البداية، لكنت خففت عنك وعرفت القصة كاملة.
تفاجأ سامي من كلامه وقال بقلق: كيف تعرف شذا؟ ولماذا لم تخبرني من قبل؟
أجابه عبدالله: يا صديقي، ومن يدري عن حبكما في الماضي؟ دعني أخبرك عنها، شذا كانت من القرية المجاورة لنا، وكنت أعرفها وأعرف عائلتها.
ازداد فضول سامي، وأخذ يسأله بنبرة ملؤها الحيرة: وماذا تعرف عن حالها الآن؟
تنهد عبدالله بصوت حزين، ثم قال: شذا المسكينة تزوجت بأحد من أقاربها قبل ثلاثة أشهر، من رجل أعمال يعيش في لندن، يبدو أن أهلها أجبروها على الزواج رغمًا عنها بسبب ثروته الكبيرة حسبما سمعت من أختي، شذا رفضت الزواج، بل كانت تفكر في إنهاء حياتها بعد زواجها بأسابيع، حاولت الانتحار، وهي الآن في العناية المركزة بين الحياة والموت. الأطباء قالوا إن فرصة نجاتها لا تتجاوز العشرين بالمئة.
تغيرت ملامح سامي تمامًا، وقف فجأة وكأن صاعقة ضربته. أخذ يسأل عبدالله بصوت مرتجف: ماذا تقول يا عبدالله؟ كيف حدث ذلك؟ أرجوك، أخبرني بالمزيد، أريد أن أعرف كل شيء…
لكن عبدالله لم يكن لديه تفاصيل أخرى ليقدمها، تركه يغرق في حالة من الذهول والخوف والاضطراب النفسي، وكأنه يعيش كابوسًا لن يستيقظ منه، أدرك سامي أن شذا ليست فقط بعيدة عنه، بل تقف الآن على حافة الحياة والموت في وضع لا يستطيع فعل شيء من أجله.
وهكذا انتهت قصة سامي وشذا، لتصبح ذكراها في قلب سامي جرحًا لا يندمل، وبقي هو يعيش في اضطراب وحزن شديدين، وندم على كل لحظة ضاعت دون أن يتمكن من حماية الحب الذي كان يربطهما.
نعم، أحيانًا تكون نهاية القصص مؤلمة وغير مكتملة. ليس كل حب يُكتب له الاستمرار، وليس كل شوق يجد من يُطفئه بعض القصص تنتهي كما بدأت، بلحظة عابرة، تاركة أصحابها مع ذكريات وشعور بالفقد يصعب تجاوزه.
مثل قصة سامي وشذا، هناك قصص قد تظل عالقة في قلوبنا، تعيش في أذهاننا كأحلام لم تكتمل، هذه النهايات تعلمنا أن الحياة ليست دائمًا كما نخطط لها، وأن الفراق قد يكون أحيانًا هو النصيب المحتوم، لا بسبب خطأ من أحد الأطراف، ولكن لأن الحياة تضع أمامنا اختبارات قد لا نستطيع تخطيها.
وهكذا، تبقى بعض القصص من دون خاتمة سعيدة، ويمضي أصحابها في طريقهم وهم يحملون ذكرى تلك اللحظات التي جمعتهم بمن أحبوا.