قراءة في أهداف التنمية الألفية المستدامة 2030
صالح بن محمد خير الكعود
باحث وطالب دكتوراة في تنمية الموارد البشرية
الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا
أُقِرّت أهداف التنمية المستدامة (SDGs) عام 2015 م من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والتي بلغت 193 دولة، حيث تم اعتماد هذه الوثيقة النهائية للتنمية المستدامة في نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية بعنوان: “تحويل عالمنا: جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة”، اعتُبرت هذه الأهداف دعوة عالمية للعمل على إنهاء الفقر وحماية الكوكب وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول عام 2030 م.
أبرز ما يميز هذه الأهداف أنها متكاملة، وتقر بأن التنمية يجب أن تكون متوازنة بين التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
أقرت الدول الأعضاء 17 هدفاً و 169 غاية، ولكل هدف من 1 إلى 3 مؤشرات لقياس التقدم نحو بلوغ الأهداف، وبلغ عددها بالمجموع 304 مؤشرات.
وتغطي مجموعة واسعة من القضايا في المجالات التالية (القضاء على الفقر، القضاء على الجوع التام، الصحة الجيدة والرفاه، التعليم الجيد، المساواة بين الجنسين، المياه النظيفة والمياه الصحية، طاقة نظيفة وبأسعار معقولة، العمل اللائق ونمو الإقتصاد، الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية، الحدّ من أوجه عدم المساواة، مدن ومجتمعات محلية مستدامة، الاستهلاك والإنتاج المسؤولان، العمل المناخي، الحياة تحت الماء، الحياة في البر، السلام والعدل والمؤسسات القوية، عقد الشراكات لتحقيق الأهداف).
من الجدير ذكره أن هذه الأهداف ليست ملزمة قانوناً، إلا أن الدول هي التي تتحمل المسوؤلية لوضع الأطر الوطنية لتحقيقها، وكذلك متابعة التقدم المحرز واستعراضه، ولا شك أن التقارير السنوية الصادرة عن المنظمات الأممية والتقارير المحلية تتابع سنوياً مؤشرات التقدم والأداء التي حُددت من قبل الأمم المتحدة.
بحسب تقارير الأمم المتحدة لأهداف التنمية الألفية من عام 2000 إلى عام 2015 فقد أحرزت الدول الأعضاء تقدماً ملموساً في بعض الجوانب لا سيما جانب الفقر، حيث انخفضت نسبة البشر الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع من 1.9 بليون عام 1990 م إلى 836 مليوناً عام 2015 م، وتم تحقيق التكافؤ بين الجنسين في المدارس الابتدائية في معظم البلدان، وحققت المرأة مكاسب في التمثيل البرلماني في أكثر الدول الأعضاء.
رغم هذه الإنجازات الملموسة إلا أن الأمم المتحدة أقرت أن التقدم كان متفاوتاً عبر المناطق والبلدان، ولا تزال هناك ثغرات كبيرة وتم التخلى عن الملايين من الناس إما بسبب الموقع الجغرافي أو العرق أو السن أو الجنس.
وما يزال هناك واحداً من كل خمسة من سكان الدول النامية يعيش على أقل من 1.25 دولار يومياً ( الذي يعتبر خط الفقر المدقع) وتتركز مناطقهم في جنوب آسيا وأفريقيا والصحراء الكبرى. وهناك 805 مليون شخص في العالم ليس لديهم غذاء كافي، ويعادل ذلك واحداً إلى تسعة أشخاص على ظهر الأرض. وتبلغ هذه النسبة 13.5 % من السكان. تشير التقارير أيضاً إلى أن آسيا هي أكثر القارات التي تضم معظم الجوعى، وخصوصاً في جنوب شرق آسيا وغرب آسيا في السنوات الأخيرة نتيجة الصراعات.
تشير الإحصاءات أيضاً إلى أن الزراعة هي القطاع الأكبر توفيراً للوظائف في العالم، حيث توفر سبيل العيش لأكثر من 40 % من نِسَب سكان العالم اليوم، وهناك 500 مليون مزرعة حول العالم يعتمد معظمها على الأمطار، وتغطي ما نسبته 80% من الغذاء المستهلك في العالم النامي.
أما في مجال الطاقة فإن 1.3 مليار شخص في انحاء العالم لا يحصل على الكهرباء، ويعيش أغلبهم في المناطق الريفية في العالم النامي. قطاع الصحة كان له نصيباً في التقارير الأممية، لا سيما مؤشر وفيات الأطفال نتيجة سوء التغذية، فعلى الرغم من انخفاض نسبة الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة من 12.7 مليون عام 1990 م إلى 6.3 مليون عام 2013 إلا أن هناك مناطق ما تزال تتزايد فيها هذه النسبة، ففي أفريقيا وجنوب آسيا يموت أربعة من أصل خمسة أطفال قبل سن الخامسة، وتبلغ هذه النسبة ضعفي نسبة وفيات الأطفال في الأسر الأكثر ثراءً.
وأما في قطاع التعليم فنسبة القيد في التعليم الابتدائي بلغت 90 % وبقي أكثر 58 مليون طفل خارج المدارس، وأكثر من نصف هؤلاء يعيشون في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وهناك نسبة 50% من الأطفال في مناطق النزاعات لم يلتحقوا بالمدارس في المرحلة الابتدائية. كما أن هناك نسبة 781 مليوناً من البالغين و 126 مليون من الشباب لا يمتلكون المهارات الأساسية في القراءة والكتابة.
هذه بعض الإحصاءات والمؤشرات المتوفرة عن بعض القطاعات المستهدفة في برنامج الأمم المتحدة، وتشير إلى أن الطريق ما زال طويلاً، وأنه يجب على الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني العمل جنباً إلى جنب لتخفيف وطأة هذه التحديات لا سيما في مجال الصحة والتعليم والغذاء، التي تعتبر القطاعات الأكثر حيوية، والتي فاقمتها النزاعات في غرب آسيا، لا سيما في اليمن وسوريا وفلسطين وليبيا والعراق ولبنان والسودان، علاوةً على معدل النمو السكاني المرتفع في الدول النامية الذي أثقل كاهل الأسر والحكومات لتحقيق المتطلبات الأساسية للحياة.