أختي .. ولو تزوجت!

عادل بن حميد الجامعي
أختي.. قطعة من القلب لا تنفصل، ظلّ الطفولة وظلّ الحنان، أول حضن ضمّنا بعد أمنا، أول من شاركنا الضحكات والأسرار، وبكى معنا دون سؤال..
تتزوج الأخت، وتنتقل من بيتٍ إلى بيت، تملأ بيت زوجها دفئًا وبهجة، وتصبح أمًّا تناديها أفواهٌ صغيرة بــ أمي.. ومّينا.. وماماه.. وماه..، لكنّ في القلب شيءٌ لا يتبدّل، وفي الروح وشيجة لا تنقطع.. أختي، مهما تغيّرت الألقاب، وتبدّلت الأدوار، تبقى هي: *أختي*، كما وُلدت، وكما أحببتها، وكما عرفت أن لا شيء يُشبه قلبها في رقته ولا بسمتها في عفويتها.
أعلمُ أن الأخوة ليست مرحلة عابرة تُنسى عند أول عقد نكاح، ولا تُنسى عند أول طفل تحتضنه أختي،
بل الأخوة غرسٌ غُرسه أبٌ وأمٌّ، *سقياهما* الحنان والتربية، *وغمرانا* بوصايا سرّية قالت لنا:
لا تتركوا بعضكم، لا تكبروا بعيدًا عن بعضكم، ولو كبرت أعماركم وأيامكم .
فأنا لا أرى في ملاطفة أختي مجرّد عاطفة وقتيّة، بل أراها عبادة، *وبرًّا خفيًّا بأمي وأبي،
أراهما *يُسرّان* في قبريهما كلّما *رأت عيون أختي بهجة قرب أخيها.* لأني أدرك أن البرّ لا يتوقف عند قبر، ولا ينتهي عند فقد، بل يمتد ما امتدت أفعالنا الصالحة لمن ربّونا، وما من عمل أراه أصدق من أن أسعد من أحبّاها وربّياها، تلك الأخت التي هي *مرآة حنانهما* في هذه الدنيا وبقية منهما رضي الله عنهما..
لم أجد أجمل من ملاطفة أختي، سواء كانت الكبرى التي أصبحت لي أمًا صغيرة،
أو الصغرى التي عهدتني سندًا ومحبًّا.. لم أفرّق بين كونها زوجة أو أمًّا أو امرأة تطوف حولها الأدوار والمسؤوليات، ففي قلبي، أراها كما كانت حين كنا نلهو معا تحت ظلّ البيت، وكأن الزمان لم يمضِ، وكأن الأخوّة لا تشيخ..
أنا على يقينٍ أن الرجل الذي يُحسن لأخته، يزرع في بيته قُدوة، ويعلّم أولاده حبّ النساء اللاتي جعلهنّ الله قوارير، وجواهر لا تُداس، بل تُصان وتُحمل على الأكفّ برفق ورفعة.
ـ رسالتي لرجال الدنيا، لكل من له أخوات:
لا تجعل بينك وبينهن جدار الزواج والمسؤوليات، ابقَ اليد التي تمسح عنهن تعب الأيام،
ابقَ الحضن الذي ينادي عليهن أنهن ما زلن مُدللات بين إخوانهن، لا تدع مشاغل الحياة تُنسيك أن *الأخوة رزق لا يتكرر*، وأنها بذرة لو سقيناها ضحكًا وودًا، ستظلّ تورق في قلوبنا وقلوب أبنائنا وأحفادنا.
إني أكتب هذه الحروف لا لأذكّركم بهن فقط، بل لأوثّق *وصية لنفسي* أولاً:
أن تكون ملاطفتي لأخواتي، سرًا وعلنًا، *بابًا خفِيًّا* من *أبواب البرّ* الممتد لأمي وأبي،
*وكنزًا* أجمعه *ليومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم*، وقلبٌ سليم… لا يُمكن أن يسلم إن لم يسعد من حوله، وخاصة أولئك الذين شاركوه دماءه وروحه.
فإلى كل رجل:
لا تترك أخواتك يهرمن قبل أن تملأ أعمارهنّ بكلمة رقيقة، وضحكة خفيفة، ويدٍ تُمدّ حين يثقل يومهن.
فالبنات جوهرات، وأنت أمينٌ عليهن.. فكن كما *أوصانا* الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.. *راعيًا لقواريرك، عزيزًا بأخواتك، فخورًا بأنك تحمل إرث حنان أمك وأبيك بين يديك.*
اللهم اجعل ما بيننا من الأخوة مودّة لا يقطفها غياب، ولا يذبلها بُعد، ولا يشوبها تقادم عمر،
وارزقني برّ أمي وأبي، عبر كل سعادة أغرسها في قلب أختي.. اللهم آمين.