مسؤولون، ولكن!
د. رضية بنت سليمان الحبسية
Radhiyaalhabsi@gmail.com
إنّ تطوير العمل المؤسسيّ في أي دولة عصريّة، يتطلب رصانة في التخطيط الاستراتيجي، وفعالية في التنفيذ، وموثوقية في عملية الرصد والمتابعة. وفي ظل الحاجة إلى مواكبة ما تفرزه المؤتمرات واللقاءات التنموية والإدارية من توصيات، لتطبيق الأسس الفكرية الحديثة؛ والأخذ بالنماذج العالمية في تحقيق القدرة التنافسية، وقياس الأداء المؤسسي، وصولًا إلى الرؤى المستقبلية في تلك الدولة، تأتي أهمية الحوكمة الإدارية بالالتزام بمبادئها وقواعدها؛ لتعزيز القطاع المؤسسي بكافة عناصره.
ومما لا شك فيه، فإنّ العملية التطويرية، حينما تبدأ بتغيير الهياكل التنظيمية، يرافقه تغيير في القيادات الإدارية. وفق أسس ومعايير مؤسسية تعتمدها المؤسسات ذاتها. والعملية في حدّ ذاتها ظاهرة طبيعية وإجراءات صحيّة، في تعاقب الأفراد على المواقع الوظيفية في أي مؤسسة بشرية كانت. ولكن! على تلك القيادات الجديدة أن تنظر لعملية التغيير والتجديد نظرة أكثر شمولية، وبأسلوب منظومي، وإداري مُتقن وفق مبدأ تحليل النظم.
فالعملية القيادية لا تتم مجازفة أو عشوائية أو انتصارًا لأهواء شخصية؛ لإثبات الذَّات والكفاءة الإدارية أو الخبرة الفنية في مجال الاختصاص. فإذا ما تيقنّ المسؤول الجديد من الفكر الذي يُناشد بالعمل الجماعي، في إطار من المجتمع المهني، الذي يُؤسس سياسة إدارية حكيمة للاستفادة من الأفراد الذين يشكلون التنظيم ذاته، فإنّه بذلك سيكسب احترام وتقدير منسوبي الوحدة التي يُشرف عليها، وبالتالي ضمان صدق عطائهم، ومشاركتهم بعصارة فكرهم، ومخزون خبراتهم التي تشكلّت خلال مراحل وسنوات مهنية وتأهيلية وتطبيقية، أثبتت جدارتها في مواطن عديدة.
إنّ حماس واستعجال كثير ممن يعتلون مناصب إدارية، في إحداث التغيير، بغيّة إثبات الجدارة، يوقع صاحبها في مطبّات، أقلّها أثرًا يتمثلُ في فَقْد تعاون وتفاعل العاملين معه. فتنهال الانتقادات عليه باكرًا؛ نتيجة قراءة تلك الشخصية من أول وهلة، في أول لقاء، وفي أول احتكاك جدلي، أو مناقشة يُفترض أنها مهنية. والحال مُضاعف حين ينزل عليهم ذلك المسؤول الجديد ببراشوت من خارج التنظيم الذي ينتمون إليه، في الظرف الذين ينتظرون من قياداتهم الوفاء بمتطلباتهم؛ نظير إخلاصهم سنوات، وسعيهم الجاد للوصول بأهداف المنظمة بدرجة عالية من العمل المهني التخصصي، الذي يجعلها تُفاخر بتجربتها الفريدة على المستوى الإقليمي، بل والعالمي.
وفي ظل تلك الظروف، لا يكون أمام منسوبي ذلك القطاع، سوى مَخْرَجْيَن اثنين، لا ثالث لهما: إما الانسحاب كليّةً من تلك المنظمة بالخروج المبكر للتقاعد، أو الانزواء في ركنٍ هادئ، لِيَنْظَموا إلى فئة المتفرجين أو يصطفوا بجانب المُحَبَطِين. والنتيجة بطبيعة الحال، هجرة الكفاءات المُجِيدَة والمُخِلِصَة، أو تَفَشْيّ البطالة المُقًنّعة، التي تقود إلى تقهقر المنظمة للوراء، وجمود الإبداع، واندثار الجهود المؤسسية، وبالتالي الهدر والفاقد الاقتصادي . لذا تكمن الحاجة ملحة إلى تطبيق مبادئء الحوكمة الإدارية؛ لضمان التمكّن من وضع الخطط الإستراتيجية والبرامج التنفيذية، وحسن إدارة الموارد المالية والبشرية، تحقيقًا للغايات والأهداف المرجوة، في إطار من المساءلة والمحاسبية المؤسسية، تنفيذًا للتوجه الاستراتيجي الذي اشتملت عليه رؤية عُمان 2040، الذي ينصُ على “جهاز إداري مرن مبتكر وصانع للمستقبل قائم على مبادئ الحوكمة الرشيدة”.