رفقاً بالوطن .. لا تحركوا الوتد
خلفان بن ناصر الرواحي
يُحكى أن إبليس كان يعيش هو وأولاده في قرية مستقرة، ولم يجد فيها ما يسانده على تنفيذ مؤامراته ومآربه وذلك لتماسك نسيج المجتمع والصبر على الشدائد؛ حيث كانت مستقرة وتهنأ بحياتها الاجتماعية التي يسودها الود والوئام والرضا بما قسم الله لها من رزق، فاشتاط غيظه هو وأبناءه على هذه السكينة والهدوء والاستقرار!. ففكر في حيلة ودهاء لخلخلة هذا النسيج المتماسك، وفكر في الرحيل ولكن بعد تنفيذ ما يفكر به. فقرر أن لا يغادر إلا بفعل فعلته، فأخذ يبحث عن سبيل لزعزعة الاستقرار، فوجد خيمة منصوبة في الصحراء لرجل فقير، يعيش هو وزوجته وولده الوحيد، ولديهم بقرة مربوطة في وتد الخيمة، وكان ذلك الفقير يذهب كل يوم ليعمل ويحصل على قوت يومه لما يكفي لتغطية نفقات أسرته ويعود في وقت متأخر وهو صابر على الرغم من قلة ما يغطي به احتياجات معيشته وأسرته، فوجد إبليس فرصته لتنفيذ خطته لتحريك الوتد، فوجد بقرة مربوطة بوتد الخيمة، ووجد امرأة تحلب هذه البقرة، فقام فحرك الوتد فخافت البقرة وهاجت، فانقلب الحليب على الأرض ودهست الابن الذي كان يجلس بجوار أمه وهي تحلبها، فقتلته دهساً، فغضبت المرأة فدفعت البقرة و ضربتها بشدة وطعنتها بالسكين طعناً مميتاً فسقطت البقرة و ماتت، فجاء زوجها فرأى طفله والبقرة، فطلق زوجته وضربها، فجاء قومها فضربوه، فجاء قومه فاقتتلوا واشتبكوا فتعجب أبناء إبليس فسألوا والدهم ويحك ما الذي فعلت؟!. قال لا شيء سوى أنني حركت الوتد.
على الرغم أن القصة لم تكن حقيقية، وهي ضرباً من ضروب الخيال، لكنها ربما تمثل بعضاً من الواقع الذي نعيشه هذه الأيام في وطننا الغالي، والواجب التنبه له والتحذير من مغبته خوفاً من تزايده وعظم الخطب، فهكذا يظن البعض من الناس أنهم لا يفعلون شيئاً وهم لا يدركون لوقع ما يقولون أو ينشرون، وخاصة فيما يتعلق بالمسائل الشائكة التي تهم المواطن في المقام الأول وكذلك الوطن وتزعزع من استقراره، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مشكلة الباحثين عن عمل، فقد تحرك مثل هذه التصريحات بعض الخلايا النائمة التي تتربص لخلخلة النسيج والاستقرار، وكذلك هو حال المطبلين أمثالهم.
نرى بين فترة وأخرى من يحاول أن يستخدم مكانته أو شهرته أو منصبه ليروج لنفسه مكانة أو شهرة، ولا يدرك خطورة ووقع ما يقوله ويصرح به أو يتناقله عبر وسائل الإعلام ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي، غير مراعٍ لمشاعر الناس، ومدى حساسية الموقف والوضع الذي يعيشه البعض، وينظر لواقعه هو دون مراعاة الآخرين، وينصِّب نفسه المنتقد وهو على الحق، ويبين بأن لديه الحق في التحدث وتقديم الرأي، وليته سكت!.
لهذا نقول لمثل هؤلاء ومن على شاكلتهم توقفوا عن مثل هذه التصريحات، والتفسيرات والتأويلات اللامنطقية التي تحرجكم شخصياً في المقام الأول، وتجرح مشاعر المواطن والمقيم على أرض الوطن، وتؤثر على سمعة الوطن وتنعكس سلباً على العديد من المصالح العامة. فترفقوا بأنفسكم ووطنكم ومن يعيش عليه، واستخدموا الحكمة وحسن الخطاب، وتوقفوا عن تحريك الوتد، حتى لا نقع في المحظور وما لا يُطاق حمله، وتذكروا قوله تعالى في سورة الأحزاب:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)}.