الرسالة المهيمنة للرسول الخاتم
عبدالله بن حمد الغافري
نحمد الله تعالى على نعمة الإسلام، والصلاة والسلام على خير الأنام وعلى آله وصحبه الكرام وعلى التابعين لهم عبر الزمان إلى يوم الدين
مما قيل: أن الشجرة المثمرة هي التي تتعرض للرمي بالحجارة، وكما قيل: أن الناس لا ترمي كلباً ميتاً.. وهكذا تسير الأمثال عبر العصور مسجلة بأحرف من نور أن صاحب الخير دائماً فهو محسود وربما تطاول الحسد حتى يصبح حقداً وجحوداً.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن التطاول على مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والنيل من عليائه السامق ومحاولة النفخ في قبس ضيائه الساطع لإطفائه لا غرابة فيه ولا جديد كيف لا والله سبحانه وتعالى وحده بنفسه يسجل ذلك بقوله: (وَدَّ كَثِیرࣱ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ لَوۡ یَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِیمَـٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدࣰا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُوا۟ وَٱصۡفَحُوا۟ حَتَّىٰ یَأۡتِیَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ)-[سورة البقرة 109]. وكذلك وقوله سبحانه:
(أَمۡ یَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَاۤ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ فَقَدۡ ءَاتَیۡنَاۤ ءَالَ إِبۡرَ ٰهِیمَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَءَاتَیۡنَـٰهُم مُّلۡكًا عَظِیمࣰا فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن صَدَّ عَنۡهُۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِیرًا)-[سورة النساء 54 – 55].
وقد قال صلى الله عليه وسلم:(كل ذي نعمة محسود). فلذلك لا غرابة أن يتطاول الفساق والكفار على مقام سيدنا رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام فمنذ الجهر بدعوة التوحيد والأذى والشتائم والتنقيص تساق إلى الإسلام وإلى رسول الإسلام وإلى كل ما له صلة بالإسلام وأهله، لكن لا يضر الشمس رمد من فقد بصره وتبلدت بصيرته.. قال سبحانه:
(لَن یَضُرُّوكُمۡ إِلَّاۤ أَذࣰىۖ وَإِن یُقَـٰتِلُوكُمۡ یُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا یُنصَرُونَ ضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَیۡنَ مَا ثُقِفُوۤا۟ إِلَّا بِحَبۡلࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلࣲ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَاۤءُو بِغَضَبࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِیَاۤءَ بِغَیۡرِ حَقࣲّۚ ذَ ٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ)
-[سورة آل عمران 111 – 112].
ولكن على الأمة أن تقف صفاً واحداً في مواجهة هذا التطرف البغيض والحاقد على الإسلام والمسلمين والذي يكيل بمكيالين ولا يرى إلا بما يوافق مصالحه ويطمس وجه الحقيقة المشرق، فاتحاد الأمة للذود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن حياض الإسلام ليس منة من أحد بل هو فرض عين توجبه الأوامر الربانية وتحتمه مقتضيات الحياة الوجودية وتؤيده السنة العملية الثابتة بالأدلة القطعية.
ومما يزيد هذا الجحود والإنكار والأذى تبجحاً وعربدة؛ هو كون الحق الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم حقاً أبدياً ورسالةً خالدة وشريعة ثابتة لا تضعضها الخطوب ولا تدنسها العيوب ولا تصل إلى كنهها ريش الأحبار ولا تغيرها كتابات المتثيقفين من أبناء جلدة المسلمين فهو حق وصدق كالطود العظيم تتكسر على صلده كل عاتية وتنحسر دونه كل هاوية فلله در الحق ما أعظمه، وما أجلّه مهما حاول البَطَلَةُ أن يبطلوه فإن مكرهم باطل وأن كيدهم زائل وأنه لن يبقى حجر ولا مدر ولا شيء تطلع عليه الشمس ويظلم عليه الليل إلا وصوت الحق يصله بعز عزيز، وبذل ذليل رغم رغامة الراغمون!!.
يقول تعالى: (قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنࣱ فَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِینَ هَـٰذَا بَیَانࣱ لِّلنَّاسِ وَهُدࣰى وَمَوۡعِظَةࣱ لِّلۡمُتَّقِینَ وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحۡزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ)-[سورة آل عمران 137 – 139]. فالله ناصرٌ دينَه ومعلٍ كلمتَه ولو كره الكافرون ؛ (لِیُحِقَّ ٱلۡحَقَّ وَیُبۡطِلَ ٱلۡبَـٰطِلَ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ)-[سورة الأنفال 8].
إن محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول الله إلى الناس كافة، (قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّی رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَیۡكُمۡ جَمِیعًا ٱلَّذِی لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ یُحۡیِۦ وَیُمِیتُۖ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِیِّ ٱلۡأُمِّیِّ ٱلَّذِی یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَـٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ)-[سورة الأعراف 158]. فقد جاء لينقذ هذه البشرية من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد ويشرع لها أحكام العدل والحق الذي يساوي بين الناس..الأبيض والأسود والحر والعبد والغني والفقير والعربي والأعجمي ولا ميزان للتفاضل بينهم إلا بالتقوى، (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا۟ۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرࣱ)-[سورة الحجرات 13].
فما بال هذه الهجمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المنقذ لهذه البشرية والمخلِّص لها من الهلاك ومن الظلم المستشري من سيطرة الأباطرة وتسلط القياصرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة؛ مع أن الله تعالى غني عنهم، (إِن تَكۡفُرُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا یَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُوا۟ یَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةࣱ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ)-[سورة الزمر 7].
إن إعراض البشرية اليوم عن منهج الله لا يضير الرسالة الخالدة أي شيء وإنما المتضرر هي الإنسانية ذاتها. (قُلۡ أَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَإِنَّمَا عَلَیۡهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَیۡكُم مَّا حُمِّلۡتُمۡۖ وَإِن تُطِیعُوهُ تَهۡتَدُوا۟ۚ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَـٰغُ ٱلۡمُبِینُ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَیَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَیُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِینَهُمُ ٱلَّذِی ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَیُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنࣰاۚ یَعۡبُدُونَنِی لَا یُشۡرِكُونَ بِی شَیۡـࣰٔاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مُعۡجِزِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ)-[سورة النور 54 – 57]
نسأل الله جل في علاه أن يأخذ بأيدينا للبر والتقوى وأن يصلح أحوالنا وأحوال جميع المسلمين وأن يهدي هذه البشرية الحائرة إلى رشدها وإلى الحق المبين
.. آمين.