مدرسة الحقوق
ظافر بن عبدالله الحارثي
هي إحدى مدارس الفِكر وعِلم الاجتماع الإنساني، هي المدرسة التي تتمَحور حَول الإنسان وبِنائه وتنظيمه وتقويمه، لها الأثر الكبير في رَفْد المجتمع بالقانونيين الذين يحملون رؤيتها ورسالتها، بلْ ونشرها بين أفراد المجتمع والحِرص على تنفيذها والإشراف على تطبيقها مِن خِلال سُلطات وصلاحيات ممنوحة لهم، وباختلاف مُسمّياتهم وصِفاتهم، جميعهم يلعبون أدواراً جوهريةً لإرساء العدالة والنظام بين الأفراد، ولو أنّ النصوص التشريعية قد فرضتْ على كلّ إنسان أنْ يكون قانونياً بتصرفاته وطبعِه وعلاقاته مع غيره مِن البشر.
هذه المدرسة جَوهر منهجها ثابت، إلا أنّ المتغيرات تكمن فقط في انسجامها مع مُتطلبات العصر ومُواكبة الزمن وما يعتريه مِن حداثةٍ تقنيةٍ وفكريةٍ وغيرها مِن المُستجدّات، كما أنها بريئة مِن كلّ تلاميذها الذين حادوا عنْ ما يُفترَض عليهم حَملهُ مِن قِيَم ومبادئ أخلاقية مِهنية وفخورة بالذين كانوا أكثر منها حِرصًا واهتماماً في الوصول للعدالة، والذين عادةً ما يتلاقوا في ساحات القضاء (المحكمة) التي يترأّسها القاضي الفاصل في النزاع ويعاونه المحامي للوصول لِلحقّ ويعضد برأيه المستشار والخبير ويسمع بدوره آراء طَرفَي النّزاع ورأي الادّعاء العام أو مَن يُمثّله، ويسجّل رأيَه المُحضر أو أمين السّر وغيرهم مِن الشخصيات، الذين يتواجدون بحسب مُجريات القضيّة والأحداث التي تتغير وتتنوع.
كلّ هؤلاء وغيرهم من الذين يتمركزون في سُلطات الدولة الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) بمُختَلف مَهامهم، غرَضهم تكوين دولة قانونية يكون القانون أساسًا لها، بحيث يحفظ لكلّ فردٍ حقوقه ويحدّد له واجباته، وأن لا استمرارية ولا حياة إلا بالقانون والذي يشكّل أول درسٍ لطلبة هذه المدرسة التي تُقاد مِن قِبل مُعلّمين سبقوهم في هذا المجال وكرَّسوا جهدهم في تخريج مَن يواصلوا حمل رايتها؛ ولعلّ مِن التأثير غير المباشر الذي سبّبتها هذه المدرسة في طُلابها هو بناء الشخصية القوية ذات الرأي المُتّزن، الحريصة في غالب الأحيان، وغرَسَتْ مجموعةً من القِيَم الجميلة، كحُبّ المساهمة والمشاركة في المجتمع.
قوّة مَدارس الحُقوق أو المؤسسات التعليمية (الكليات،الجامعات، المَعاهد وغيرها) الخاصّة والحكومية على حدٍّ سواء بمُختَلف مُسمّياتها تنعكس على مُخرَجاتها، وبالتالي على قوة العمل القانوني والتأثير الذي يحققونه في المجتمع، ولعلّ هناك دُوَلاً أكثر خِبرةً في المُمارسة من دُوَلٍ أُخرى؛ نظرًا للأسبقية التي حققتها في بداية العملية التعليمية، فعلى سبيل المثال سلطنة عُمان تُعدّ مِن الدّول الحديثة في القوانين كَون بدايتها مع القوانين كانتْ مع مَطلع فَجر النّهضة في ١٩٧٠م (بصفة عامة)، والانطلاقة الحقيقية على وَجه التحديد مع صُدور النظام الأساسي عام ١٩٩٦م؛ ولكنّ هذه الفروقات لمْ تعُد الآن عائقًا في ظلّ تبادُل الخِبرات ورفْع مستوى القُدرات والإمكانيات مِن خِلال عوامل كثيرة منها: (تنوّع أسلوب التعليم وإشراك الطلبة في النظام، مُحاكاة الجانب النظري بالتطبيق العملي، الانتقال مِن نظام التلقين إلى التحليل والبحث) وغيرها مِن الوسائل المُتّبعة لتتوافق مُخرجات مدارس الحقوق مع مُزاولة العمل القانوني.