2024
Adsense
مقالات صحفية

المراهقة بين مفهوم العصر ومنهجية الإدارة

علي بن مبارك اليعربي

المراهَقة كلمةٌ تُطلق على مرحلةٍ عمرية مِن مراحل نموّ الإنسان وهي لفظةٌ مستوردة ظهرتْ على السطح مع تجاهل المُربّين للمنهج الإسلامي القويم، كما أنهم -أي الغرب – لمْ يُطلقوا هذه الكلمة جُزافاً على تِلكم المرحلة مِن عُمر أبنائهم إلا لأنهم تخلّوا تماماً عن تربيتهم وتنشئتهم التنشئة الوالدية والأُسَرية الصحيحة.
لهذا لمْ ينالوا منهم إلا ما يُسيء لسمعتهم ويشكّك في قُدراتهم على إدارة أمور حياتهم ومنها تربيتهم لأبنائهم، فأصبح لِزاماً عليهم استخدام نوع من الذكاء وهو الذكاء الاجتماعي، ليُبعدوا لَوم الآخَرين لهم، لذلك أطلقوا على هذه الفترة الزمنية من عُمر الإنسان بمرحلة (المراهقة)؛ نتيجة ما سبّبته لهم مِن إرهاق، وقدْ أوجدتْ هوّة اجتماعية كبيرة في الأسرة والمجتمع، وشكّلت مرحلة عبور صعبة لهم، مَن يتخطّاها كالخارج مِن عُنق الزجاجة وأصبح ملاذهم ووسيلتهم لإنقاذ فلذات أكبادهم وإبعادهم عن الالتزام والمسؤولية القانونية، هو نعتُ الواحد منهم بالمُراهق، وقد يُلقَى عليه بعض الإعاقات النفسية مِن هلوساتٍ عاطفيةٍ ونفسية؛ لذلك لا نؤاخذه إذا ما ارتكب في حق نفسه أو غيره أية أخطاء، مما أوصل الأبناء إلى جعْل هذه المرحلة شَمّاعة لتعليق أخطائهم عليها.
وازداد الأمر سوءاً بتلك الأنظمة والقوانين الوضعية والتي أُطِّرتْ باتفاقاتٍ والتزاماتٍ دُولية قد لا تُمكّن بعض الدول منفصلة مِن الحِياد عنها. ونسبتْ إلى منظماتٍ ومؤسساتٍ دولية، وبمُسمياتٍ رنانةٍ تُدير مُختَلف مَناحي الحياة، والسلوك الإنساني فيها هذا كلّه بلا شكّ أصبح يساهم وبشكلٍ كبيرٍ في زيادة التمرّد والانحراف السلوكي.
لذلك أوجدتْ كلمة مراهقة انقسامات ودارَ حَولها نقاش وجدل واسع، وتساءَل الكثير عن شرعيّتها ونظرة الإسلام لها، وبرّر كلّ منهم حسب ما تسبّبه له هذه اللفظة وما يشعر به تِجاه معناها، فالبعض ينظر إليها كأنها قالبٌ خانقٌ نضع أبناءنا داخله عنوةً، وآخَر يرى هذه المرحلة أزمة حقيقية ليس مِن السهل تخطّيها، والآخر يراها مرحلة فاصلة في حياة الإنسان بين الكسْب والضياع، وما هي إلا مرحلة مزعومة للأسف قدْ تستمر إلى ما بعد سنّ البلوغ وقد يتعدّى ذلك أحياناً.
خلاصة القول بما أننا ندرك أنّ هذه اللفظة (المراهقة) تُثقل كاهلنا وتضيق الهوّة بيننا وبين أبنائنا، وأنها قد تساهم في إتلاف أفكارهم، لما نُمارسه معهم.
ولدينا ما ينظم أمورنا ما إنْ تمسّكنا به كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم – فالمنهج الرباني يرشدنا ويدلّنا قولاً وعملاً عن كيفية تربية أبنائنا في قوله تعالى جلّ في عُلاه -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].
كما أنه -جلّت قدرته- أوضحَ لنا مُسميات تُحدّد لنا هذه المرحلة من العُمر في قوله تعالى (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبيّن الله لكم آياته والله عليم حكيم) (56).
هذا النصّ القرآني دلّنا على التسمية الصحيحة وحدد للذكور بلوغ الحُلم والمرأة بلوغ المَحيض كما إن الله في مُحكَم التنزيل أوضح لنا في سورة الحج مراحل نمو وتطور الإنسان في قوله تعالى: –
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنْكُمْ مَنْ يتوفى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴿٥﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الموتى وَأَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. ﴿٦﴾
وذلك قبل أن يأتوا هم بمُسمياتهم وتفسيراتهم عندما أمَرنا الله- عز وجل- بالتدرّج و التسلسل، واتّباع الحُكم، وحثّنا على الرحمة، فمرحلة الطفولة في دِيننا الحنيف رحمة وفسحة وسَعة يكتسب فيها الإنسان القيَم والمبادئ والخُلق الحسَن من خِلال التدريب والقدوة والمحاكاة يُؤجَر عليها الصبي في سنّ السابعة دُون وِزر يقوم بما هو ليس مُكلّفٌ به ومع ذلك يُثاب عليه ويمهّد له بما يكلّف به بعد بلوغ الحُلم بالمُشاهَدة والتعويد والمتابعة والملاحظة دون إسهاب وبلا توبيخ أو مشقّة، ثمّ يصِل إلى سنّ الفَهم المَحسوس للعقوبة حينما يصِل سنّ العاشرة حيث يكون فيها بحاجةٍ إلى إدراك وفهم جزاء التقصير ومع ذلك دون إفراطٍ في العقوبة، بعدها نأتي لمرحلة البلوغ وهذه المرحلة مختلفة بين الجنسين والجنس الواحد أيضاً رغم وصولهما لنفس العُمر حيث إنّ هذه المرحلة لا ترتبط بسنّ معينة لهذا حدّدها الإسلام بدقّة حينما أقرّ البلوغ بالحُلم، أي مع بداية الاحتلام عند الذكور و المحيض عند الإناث بمعرفته سبحانه وتعالى بمكوّنات خَلق الإنسان وتركيباته العضوية والنفسية والوجدانية والروحية.
ولن نجد بإذن الله تعالى أيّ صعوبة في إيجاد التوازن والتوافق النفسي والاجتماعي لأبنائنا إذا ما قُمنا بتوفير الاحتياجات الكاملة والشاملة لمُختَلف جوانب النمو- الجسمية والنفسية والاجتماعية والمادية والثقافية- ونال الاحترام والتقدير في طفولته مما يساعد في إغلاق الهوّة بيننا وبينهم. ولن يتحقق لنا ذلك إلا إذا كُنّا مستعدّين تماماً لفهم التغيرات الفسيولوجية وأيدلوجية التعامل مع تلك التغيرات مع إعطاء مساحة كافية من الحرية في اتخاذ قراراتهم من خِلال وضع قواعد للتعامل بناءً على تدرّج المنهج الإلهي فنحن كآباء ومربّين مسؤولين عنهم لا مسيطرين عليهم. فبهذا المنهج الرباني والذي به يحصل الطفل على حقّه مِن التقدير والاحترام يعرف ما له وما عليه في كل مرحلة من مراحل نموّه، يُسهّل علينا جميعاً المرور بسلامٍ والوصول بهذه المرحلة إلى برّ الأمان ولا شكّ في أنّ بعض الأُسَر تُخفق في تخطّي هذه المرحلة مع أبنائهم وذلك نتيجة التحليل النفسي والاجتماعي الخاطئ والتسرّع في إصدار الأحكام على بعض السلوكيات والاستجابات لعدم تفهم الوالدين للاحتياجات والضوابط التي تسيطر على سنّ التكيّف وفقدهم لفنّ التواصل والاتصال مع الأبناء.
فحقوق الطفل ورعايته لا تحتاج لمنظمة ترعاه، فالإسلام كفلها له بشيءٍ من التنظيم، فضبَط السلوك وتعديله بين الترغيب والترهيب في قول رسولنا الكريم: علّموهم على سبع، واضربوهم على عشر.
انطلاقاً من هذا الحديث، تعليم الأطفال ابتداءً من سنّ السابعة أمور دينهم ودنياهم، وهناك مقولة أخرى تقول (لاعبه سبعاً وعلمه سبعاً وصاحبه سبعاً)، وذلك بما يناسب الموقف ويلائمه لنتمكن من ضبط السلوك بالشكل الذي يُحافظ من خِلاله الأبناء على التوازن بين الوظائف الفيسيولوجية والبيولوجية والنفسية والوجدانية والروحية؛ فيسعد بذلك نفسه والآخرين.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights