2014
Adsense
مقالات صحفية

كُنْ رقماً صعباً في مواجهة الضغوط والاحتراق الداخلي.

رقية بنت عديم الفورية

يُقال: إنّ تقييمنا للخسارة أكبر من تقييمنا للربح، فخسارتنا ١٠٠ريال نخسر بها سعادةً أكبر مِن سعادتنا بكسب ١٠٠ريال، لذلك في عالَم الأعمال عندما تريد أنْ تُقنع شخصاً لا تُقِم حجّتك على المَكسب المُحتَمل وإنّما على تجنّب الخسارة.
مثالٌ آخَر:
كلّ النّعم التي لدينا لا تُقدّر بثمن ولكن خسارة إحداها تُفقد كمّاً كبيراً من السعادة.
فأين الميزان؟
يُسمّي العِلم هذا الأمر “النفور من الخسارة”.
الضغوط قدْ تبقى في مُحيط العمل وقد ينقلها الموظف إلى بيته وحياته.
قرأتُ قصة جميلة عنوانها «من ركَل القطة؟»، تقول القصة:
كانَ مكتب المدير يعجّ بالفوضى والأوراق والمَلفّات مُبعثرة هنا وهناك، وفوق كلّ ذلك فهو لا يعرف كيف يتعامل مع الآخرين، ولديه تراكمات مِن المَهام بسبب التسويف.
صاحَ بسكرتيره يوماً، فدخل ووقف بين يديه، فصَرخ فيه: اتصلتُ بهاتف مكتبكَ ولم ترد؟
قال: كنتُ في المكتب المجاور، آسف، قال بضجرٍ: كلّ مرّة آسف آسف خذْ هذه الأوراق وسلّمها لرئيس قسم الصيانة وعُد بسرعة.
مضى السكرتير متضجّراً مِن هذا التعامُل، وألقى الأوراق على مكتب رئيس قسم الصيانة، قائلاً: لا تؤخّرها علينا، تضايق الرّجل مِن أسلوب السكرتير، وقال: حسناً، ضَعها بأسلوبٍ مناسب. قال السكرتير: مناسب، غير مناسب، المهمّ خلصها بسرعة. فتشاجرا حتى ارتفعتْ أصواتهما، ومضى السكرتير إلى مكتبه.
بعدَ ساعتين أقبَل أحد الموظفين الصغار في الصيانة إلى رئيس القسم -إياه- وقال: سأذهب لآخُذ أولادي من المدرسة وأعود، صرخ الرئيس: وأنت كلّ يوم تخرج؟ قال: هذا حالي مُنذ عشر سنوات، وهذه أوّل مرةٍ تعترض عليّ! قال: ارجع لمكتبك، مضى المسكين لمكتبه متحيّراً من هذا الأسلوب، وصار يُجري اتصالات باحثاً عمّن يوصل أولاده من المدرسة للبيت، حتى طالَ وقوفهم في الشمس، وتولّى أحد المدرّسين إيصالهم.
عاد هذا الموظف إلى بيته غاضباً، فأقبَل إليه ولَده الصغير ومعه لعبة، وقال: بابا، المدرّس أعطاني هذه لأنني، صاح به الأب: اذهب لأمّك، ودفعه بيده.
مضى الطفل باكياً إلى أمّه؛ فأقبلتْ إليه قطّته الجميلة تتمسح به كالعادة، فركَلها الطفل بقدمه، فضُربتْ بالجدار.
السؤال: مَن ركل القطة؟
الجواب هو «الجميع ركَل القطة»، أو بمعنىً آخَر الكُلّ شارك في رَكل القطة، صحيح أنّ البداية كانتْ عند المدير، لأنه ضغط نفسه حتى انفجر، فانتقل الانفجار والضغط منه إلى مَن حولَه، فانفجر كلّ مَن حوله.
هل يمكن أنْ يؤثّر علينا الضغط إلى حدّ الانفجار أو الاحتراق الداخلي؟
قدْ يُعاني الموظف مِن الضغوط في بيئة العمل، و أسبابها عديدة، منها طبيعة العمل الذي لا يتّفق وتخصّص الموظف، وقدْ يكون بسبب عدم وضوح المَهام الوظيفية للموظف، أو مِن إحساس الموظف بأنّ ما يُقدّمه ليسَ كافياً، قدْ تتولّد الضغوط أيضًا مِن طبيعة العلاقة بين الموظفين أو بين الموظف والمدير، ورُبّما نتيجة عدم كِفاية الراتب المُقدّم، أو زيادة ساعات العمل دون حوافز إضافية. وكذلك عدم توفّر الإمكانيات اللوجستية اللازمة لإنجاز العمليات في العمل يسبب الضغوط.

كما أنّ الرّفع المتوالي لمَهام العمل، دون إعطاء المَجال للموظف بتقديم الاعتراض، أو حتى إجراء الحوار مع الإدارة، مِن الاسباب المؤدّية للضغط النفسي.

هناك العديد مِن العوامل المُسبّبة لضغط العمل يصعب حصرها، وعليها يتأثّر سلوك الشخص مثلما رأينا في القصة؛ فيصبح غير قادرٍ على التركيز، ونتيجةً لذلك فقدْ يتعرّض للحوادث، و بالطبع، سيرتفع مع الضغوط معدّل النّزاع والخِلاف مع الآخرين وبخاصّة مع الإدارة، و ارتفاع معدّل التأخير والغياب، وعدم الانضباط للسلوك العام، بجانب انطفاء انتمائه الوظيفي.
أمّا الجسد المضغوط فيصبح عليلًا تبعاً لكَمّ الضغط الذي يتلقّاه الشخص، ومعرفة قائمة الأمراض التي تتمكّن من الإنسان في حالة الضغوط من الصعب حصرها، فمنها القولون العصبي، القرحة، وصعوبة الهضم، وصعوبة التنفس، وارتفاع ضغط الدم والجلطة الدموية، وتصلّب الشرايين، وأمراض القلب، وأمراض السُكّر، وغيرها مِن الأمراض.

وقد خلصتْ دراسةٌ أجراها خُبراء مِن جامعة ويسكنسون للطبّ والصحة العامة في الولايات المتحدة إلى أنّ التعرّض لضغطٍ نفسيّ شديدٍ في بداية الحياة قدْ يؤثّر على صحة الدماغ في وقتٍ لاحِق.

وتؤدّي قِلة خبرة الموظف في التعامُل مع الضغوط إلى ظواهر بدنية ونفسية مثل سرعة الانفعال والتوتر، فقدان الشهية، الضعف العام، الصداع والألم، ضعف الذاكرة والنسيان، عدم الرغبة في العمل، اتخاذ قراراتٍ خاطئة.

*مقوّمات إدارة ضغوط العمل*

*مقوّمات شخصية..*

الشخص المُدرك لذاته وقرارته ومهاراته الإيجابية يعامَل على أنه طموحٌ قادرٌ على تجاوز الصّعاب، لذلك أعماله تتميّز بالإتقان وفق نظام الأولويات و إدارة المَهام.

*مقومات إدارية..*

إنّ إدارة الخِلافات والنّظر إليها نظرةً تكامُلية تؤدي إلى إنعاش الطاقات وتجديدها، وتُخلّص الموظفين في بيئات العمل مِن الجُمود والمَلل والتفكير المُوّحد.

النظرة الإدارية الإيجابية تُحدِث التغيير وتشجّع عليه، وتفتح قنواتٍ للتواصل الجيد مع الآخرين.

*مقومات اجتماعية ..*

إنّ النظرة الاجتماعية الإيجابية تستوجب عَدم الانزعاج من المشكلات الناتجة عن الضغوط أياً كان نوعها، والهدوء في تناولها والاعتراف بوجود المشکلات، وتحويلها إلى فُرص عمل و إنتاج و إبداع.

الضغط قد يتحوّل إلى ضغطٍ إيجابي إذا تسلّح الموظف بمهارات حلّ المشكلات والتفكير الإيجابي التي قدْ تُمكّنه من تحويل المشكلات إلى حلولٍ مُبتَكرة، والإبداع في بيئة العمل، والتركيز على عموميات العمل والنتائج بدَل التفاصيل غير المُهمة والحوار الإيجابي مع الإدارة، والتشجيع المستمر للأداء وبالتالي ارتفاع الدافعية، وتحسُّن في الانضباط والمواظَبة والسلوك العام.

وربما نَجد أنّ الأنظار الحالية تتّجه إلى رفع معدّل الانتاجية للفرد، في حين يُرجّح الخُبراء أنّ هناك علاقة طردية بين زيادة إنتاجية الفرد وزيادة ضغط العمل.
ولكي نوازن بين رفع إنتاجية الفرد وصحّته النفسية والجسدية والسلوكية وجَب علينا أن نُنمي قدرة الفرد على مجابهة تلك الضغوطات من خِلال تكثيف الدورات التدريبية لتنمية قدرته على الاكتشاف المُبكر لها قبل أنْ تتفاقم إلى ما يُعرَف بالاحتراق الوظيفي.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights