خطأ واحد يكفي
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
يقول الشاعر والكاتب الأستاذ سيف الرحبي “مدية واحدة لا تكفي لذبح عصفور”، وأنا أقول: خطأ واحد يكفي لقتل إنسان، وتجريده من إنسانيته، ومن اجتماعيته، ومن مناخاته القربى، كل ذلك يحدث لأنه ارتكب خطأ واحدا فقط، وحتى وإن أنجز في حياته الملايين، فكل ذلك ينسف في لحظة ارتكاب الخطأ، ولن يغفر له ما قدم للإنسانية كلها ما قدم، فهذا الإنسان يجب أن يكون – فوق كونه إنسانا – محصنا من الأخطاء والزلات، وهذه الصورة تعد واحدة من أسوأ الممارسات البشرية، نقوم بها كل يوم، ونتعهدها بالرضا والقبول، ونرى فيها مخارج كثيرة للإساءة إلى الآخر، حيث نتقصى من خلالها خطأ الآخر، ونتناسى من خلالها أي منجز يمكن أن نحسبه للآخر، ويمكن أن نضعه رصيدا للآخر لكي نعفيه من مغبة الخطأ في حالة ارتكابه له، ويمكن أن ننجي به حالة الغرق التي يعيشها هذا الآخر الذي نتقاسم معه حالات الخطأ والصواب، وحالة الغضب والرضى، وحالات السعادة والحزن، وحالات اليأس والتفاؤل.
خطأ واحد؛ يكفي لنسقط فيه هذا الإنسان الجميل من عليائه، ومن كرامته، ومن أخلاقه، ومن أفضاله، ومن مساحات السعادة التي يعيشها، ومن حالات الرضى التي يتمتع بها، ومن عطاءات اليد والنفس التي يقوم بها، خطأ واحد فقط يكفي لننقل فلان من الناس من حالة اليسر إلى حالة العسر، ومن كريم الأخلاق إلى أسوأها، ومن نصاعة النفس إلى تشويشها، ومن سلامة المقاصد إلى مفاسدها.
خطأ واحد فقط؛ لا تكفيه ولا تعفيه كل النصوص التي تشير إلى بشرية الإنسان، وإلى ضعفه، وإلى عجزه، وإلى سقوطه المتكرر، وإلى حالات اليأس والخذلان التي يمر بها: (وخلق الإنسان ضعيفا)، (وخلق الإنسان هلوعا)، “خير الخطائين التوابون”، المهم فقط فيمن يلقي أحكامه الصارمة في لحظتها أن يعريه من كل ما يذهب إلى إعفائه وإكرامه في لحظة الضعف، ويلبسه لباس الإساءة المطلق الذي يحول بينه وبين بشريته التي أقرها خالقه في كتابه الكريم.
ما يستغرب له حقا؛ أننا نحن البشر يصارع بعضنا بعضا، ويقاتل بعضنا بعضا، ويسيء بعضنا بعضا، ويلعن بعضنا بعضا، في صورة يكبر فيها الحقد، وتتشعب من خلالها الكراهية، على الرغم من إنسانيتنا المدعومة بالعقل المفكر، وبالقلب المحب، وبالعواطف المتوافقة، وبالمشاعر المتبادلة، ولكن كل هذا تذروه الرياح بمجرد خطأ واحد فقط يصدر منك تجاه من تحب، وقد لا تكون متعمدا، وقد تكون في حالة ضعف، وقد تكون في حالة نفسية لا يعلم إلا الله حقيقتها وشدتها وقسوتها عليك في لحظة ارتكاب الخطأ، ولذلك نعجب كثيرا عندما نرى حيوانا يساعد حيوانا، وحيوان يؤكل حيوانا، وحيوان يحمل حيوانا، وحيوان يبكي على حيوان، وقد يبكي على إنسان، كذاك المشهد الذي يظهر فيه جمل وهو ملازم لقبر صاحبه، حيث تعجب الكثيرون لذلك، في الوقت الذي ينسون فيه أن أقرب الناس إليهم، ويرون في الخطأ المرتكب من قبلهم، أو قبله فداحة لا تغتفر، وذنب لا يمكن أن يمسح من قائمة الأخطاء، فأي سلوك هذا الذي نقسوا من خلاله على أنفسنا، فهذا المرتكب لخطأ ما هو نحن، فهذا إنسان، ونحن من فصيلته، ومن دمه، ومن إنسانيته، ومن بشريته، ومن مكوناته (اللحم والدم والعظم)، فكيف نغتال أنفسنا، وكيف نقسوا على أنفسنا، وكيف نتجاوز بشريتنا، وكيف نتعاون على هزيمتنا، وكيف نسعد بإساءاتنا إلى أنفسنا، إنها والله لمأساة، وإنها والله لخذلان، وإنها والله لامتحان نتيجته رسوب مستمر.