لكَ يا وطن ،، تبوحُ النفْسُ في لحظات سكينتها
راشد بن حميد الراشدي
إعلامي وعضو مجلس إدارة
جمعية الصحفيين العمانية
———————————
حديثٌ في داخلي بَيني وبينَ حقائب سفري.. أوراقي وأقلامي وطاولتي، والكرسيّ الخاصّ بي.. في كل شيء أُحادثكِ أيتها الغالية.. فهل تسمعين حديثي؟
لطالما تحرّك الكرسيّ باكياً من كثرة جلوسي عليه، وتَسمّرت الأوراق من كثرة ما كتبت عليها، وتكلّم الحِبر أخيراً قائلاً:
كفاكِ عنّي فحِملي ثقيل، كيف لا تَكلّ ولا تملّ عن مُغازلة جَنابي؟
تداخلت الأحاديث بيننا، بينما ما زالت الطاولة تبكي مِن جهةٍ أُخرى لكبر الحلم.
بكَت اليَد التي أكتبُ بها حتى ثَقُلتْ، اهتزّتْ، تسمّرتْ، تحوّل كلّ شيء حولها إلى لونٍ بنفسجيٍّ غامق، ولكنني مازلتُ أكتب ولم أتوقّف.
حالي أصبح حينها، رُوحٌ تزهق الأحاديث وتنادي أوراقي وكلّ شيء حولي؛ في حديثٍ قدْ لا يفهمه جسدي أو عقلي أو قلبي أو أيّ شيء ملموس حولي، فقط رُوحي تفهم كلّ شيء يجول في خاطري.
سعيدةٌ هي روحي عندما تكتب، وحزينٌ جسدي عندما يشعر بالتعب والإرهاق، وروحي لا تكلّ ولا تملّ نحو الكتابة في صفاتك.
سطرٌ هنا أكتبه عن قصة حياتي، وسطر آخَر يصِف صفات الأشخاص مِن حَولي ومجريات العمر، وسطر آخر يعبّر عن مكنوناتي، وهناك جملةٌ أُخرى تتحدّث عن سرّ الوجود فيك.
لحظات كنت جالساً أكتب، رفعتُ ناظري إلى السماء العالية جداً، وبدأ شروق الشمس جميل عبر نافذتي في ذاك الصباح، أنزلتُ قلمي ورفعتُ كفّي على الطاولة بشكلٍ مستقيمٍ وترنّحتُ في الكرسيّ على خلفي وتنفّستُ الصُعداء.
إنه الصباح الجميل، بتغاريد عصافيره العَطِرة.
هذا هو الحديث الذي يجول في روحي في كلّ وقت ولا أنساه،
قلمي، ورَقتي، نظّارتي، طاولتي، ذاك الكرسي الذي أجلس عليه دائماً.
حديثي لك أنتِ فقط تقطّعتْ حوله كل أوراقي، لكنّ بحر الكلمات نحوك عظيم لا ينضب.
فما زالت أوراقي مبعثرة في سماواتكِ أنتِ فقط.
فارحمي -يرحمكِ الله- مَن لمْ يكلّ أو يملّ في بعثرة كلماته الصادقة نحوك، وأدعوا له صلاحاً وفلَاحاً.
فلقد أسرْتهِ بجمالكِ وعنفوانكِ يا بلدي الغالي عُمان.
ففيكِ كتبتُ كلّ الكلمات الجميلة، وبكِ تغنّيتُ بمعاني الحياة، فعيشي وطناً حرّاً أبيّاً.