تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

للمرايا التي ترسمنا شكلا

حمد بن سالم الفلاحي

shialoom@gmail.com

كُلّنا نعشق المِرآة؛ وكلّنا نراها ضِمن أهمية الأشياء اليومية للمرور عليها قَبل ذهابنا إلى أعمالنا، وقبل ذهابنا إلى مشاويرنا الخاصة، وقبل أن نأوي، في بعض الأحيان إلى أسرّة نومنا، أليس كذلك؟ وإنْ عُرفت المرأة على وجه الخصوص بأنها أكثر قرباً للمرآة، ولذلك فهي تكون ضمن محتويات حقيبتها، حيث يندر أنْ تخرج المرأة مِن بيتها وليس في حقيبتها مِرآة، فالمِرآة بالنسبة للمرأة شيء كبير، وما بين شكل المِرآة ووظيفتها تتعدد الاستعمالات، وتختلف الرّؤى، وإنْ كانتْ في الآخِر تُجمِع على أننا عندما نكون أمام المِرآة لا يَشغلنا إلا شيء واحد وهو الاهتمام بالذات الذي يعبّر عنه الموقف في تلك اللحظة فقط، ولا يُهمّ بعد ذلك ما سيحدث، المهم أنْ نرسم للمُتلقّي صورة شكلية مِثالية: وجهٌ جميل، ملبسٌ أنيق، حِلاقةٌ رائعة، تسريحة متميزة، لونٌ آسرٌ للعيون، ولا يمنع أنْ نُضيف رائحة جذابة لأسْرِ المتلقي.
نُعرّي ذَواتنا أمام المرآة، لنُعيد رسم أنفسنا أمام الآخَر، فالآخَر بالنسبة لنا هو أمرٌ مُهم، فهو رسولنا إلى الآخرين أيضاً، فُلان يلبس كذا، وشكله كذا، وحلاقته كذا، ولون مصره كذا، وربما تتخيّل أيضاً قِيَم الأشياء التي يلبسها فلانٌ هذا، وتعقد مقارنات بين ما يكون عليه شكله، وبين دَخله، أو موقعه في المسؤولية، أو مكانته الاجتماعية، وبين ما ينظر إليه أيضاً إن كان قائد رأي: معلماً، أو شاعراً، أو كاتباً، أو قائداً سياسياً، أو عالِماً دينياً، أو في غيرها من مجالات الحياة، نُجيز لأنفسنا تعرية هذه الذات أمام المرآة، ونقف على حقائق أنفسنا، حيث لا يُهمّ في تلك اللحظة ما نعرفه عن أنفسنا، فالحوار قائمٌ بيننا وبين ذَواتنا وتكون المرآة هي الشاهدة الوحيدة على هذا التعرّي المباشر الخالي من أيّ تصنّع، المهم أنْ لا نكون على حقيقتنا أمام الآخرين.
لذلك ترسمنا المرآة –حقيقةً– صورة مثالية أمام الآخَر، الذي لا يعرف عنّا شيئاً سِوى هذه اللوحة الفنية الإبداعية الرائعة التي صنعَتْها المرآة في لحظة حِوار “منولوجي” قام بينها وبين ذواتنا في لحظةٍ زمنيةٍ ما، ولذلك فنحن مُمتنّون لهذه المرآة الرائعة التي تنقلنا مِن حقيقة أنفسنا إلى صورةٍ فنيةٍ أُخرى متجسدة بما أملته علينا صراحة المرآة التي وقَفنا أمامها فترة زمنية مُعيّنة، كُنا معها صادقين، وطلبنا منها بحقّ هذه العِشرة أنْ تنقلنا إلى محيط الآخرين وفق ما يتوقعون منّا أنْ نكون، لا أنْ نكون وفق حقيقة أنفسنا التي نعرفها جيداً ونتوارى بها بعيداً عن الأعين التي تتلصّص علينا لتسقط علينا عيباً مُعيناً فتنقله للآخرين، قد يكونوا شامتين، أو مُروّجين لإساءات الآخرين.
لذا وجَب علينا جميعاً أنْ نقدّم الشّكر والتقدير لكل المرايا التي استطاعت أنْ تحتضن مجموعة المثالب التي أخفيناها عن الآخرين، وأنْ تُقدّمنا للآخرين رسوماً تشكيليةً رائعة التكوين، وعلينا أن نغطّي أوجه هذه المرايا حتى لا تُفصح عمّا رأتْ، وما عايَشتْ، لتظلّ مجموعة الاتفاقات التي تمّت بيننا وبينها كل هذه السنين طيّ الكتمان، على الأقل حتى توارى جثاميننا باطن الأرض، وعندها لا يعنينا كثيراً ما سوف تفصح عنه المرايا التي عايشناها كلّ هذه السنين، عندها لا يهم إنْ وقعنا في مأزق المَثل الشعبي القائل: “إذا طاح الجمل كثُرتْ سكاكينه” … شكراً لكلّ المرايا حتى هذه اللحظة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights