ورحل معلم القرآن
راشد بن حميد الراشدي
إعلامي وعضو مجلس إدارة
جمعية الصحفيين العمانية
———————————
بين جوامِعه مَرّ مُعظم الناس مِن أطفال جِيلي يُقرِؤُهم ويعلّمهم القرآن الكريم كلمةً كلمة، وبين يديه فرحة الصغار بختم سورةٍ أو جزءٍ أو القرآن بأكمله، وفي قلبه رحمة المؤمنين بالله، الرافعين رايته مِن أجل إعلاء كلمته مِن خِلال منهجه القَويم.
اليوم رحَل مُعلّم القرآن سعيد إلى بارئه، مَرضيّاً تزفّه الملائكة إلى جنّات عدن ونحسبه بصلاحه وصلاح رسالته عند الله.
قرابة الأربعين عاماً كان المُعلّم سعيد صبوراً شكوراً حالماً في أداء رسالته على أكمل وجه، ومدرسته التي أسّسها تمُرّ بها في صباحات الصيف تسمع صوت القرآن يُتلى مِن طُلّابه والنّور يخرج مِن بين ثنايا تلك القلوب البريئة عامراً بذِكر الله والمُعلّم يستمع، ويُعَدّل في قِراءات المُخطئين وتلاوتهم.
صوت قراءة القرآن يمتدّ للأفق فيُسمَع في البيوت والحقول المحيطة بالمدرسة القرآنية.
وعندما يستفيض الكَيل بمَن لمْ يحفظ ولمْ يواظِب على القراءة، سَتجد العصا وقد صحّح لِمَن اعوَجَّ عودُه عن قراءة القرآن وألجم شيطانه الذي يسعى لهدم معول الحِفظ وتعلُّم القرآن الكريم.
مُعظم أهالي بلدتي سناو يذكرون المعلم سعيد، وجهاده في سبيل الله، وسيرته العَطِرة، والخير الذي صاروا إليه مِن تنشئته السليمة للجميع.
زرَع -رحمه الله- بُذور العِلم والنّور في أجيالٍ تَبكيه اليوم شوقًا إلى تلك الأيام الخوالي الماجدات، وحَصَد بإذن ربّه رضاهُ، وصلاح أجيال سيكون ثواب عطائه ممتداً فيهم بإذن الله.
عزاؤنا في معلمنا هم أبناؤه وأبناء إخوته وأخواته وبيته المبارك الكريم الذي يشعّ بنور العِلم الذي أسّسه كذلك بين ثناياه؛ مِن خُلقٍ كريمٍ وبيتٍ متسلّحٍ بالعلم والإيمان.
ودعاؤنا في هذه الساعات ونحن نودّعه أنْ يرزقه الله مراتب الأبرار مع الشهداء والصالحين مِن أمّته في جنّات عدْن، وأنْ يجعل قبره روضة مِن رِياض الجنة، ويُبدله داراً خيراً مِن داره.
هكذا هم الصالحون، يرتحلون بذِكراهم الطيبة العَطِرة، وسِيرتهم الحسنة، وأفعالهم الماجدة، وتبقى عَجَلة الحياة بيننا لنقتبس مِن ذكراهم الخالدة في نفوسنا نوراً إلى صلاح النفوس وأخذ العِبَر لِمَن بَقي على قيد الحياة، فأمْر الله ماضٍ فينا كذلك.
رَحِم الله المؤمنين والمؤمنات وغَفر لموتانا وموتى المسلمين ولا حَول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لقد رحَل اليوم معلّم القرآن.