التي حادثتني(2-2)
خميس بن محسن البادي
انتهينا في جزئنا الأول من المقال عند:
(واستمر في مسكَنته ودغدغة أحاسيسها الطريّة حتى قبِلتْ ذلك بعد وقتٍ من الحديث المُطوّل بينهما، قبِلتْ على أمل وُعوده لها ووعظهِ المستمر الذي تستّر به على مسمعها مُستغلاً حداثة سنّها الحرجة لِمثل هذه العلاقات الخطرة الموقوتة).
لنكمل القصة:
حيث تَسلّم الصورة التي طلبها منها وشكَرها عليها مُدّعياً لها بأنه بذلك اطمأنّ لحُبها له وأنه ضَمِن زوج مستقبلهِ في قادم الأيام، وأخذ يتغزل في جَمالها ورشاقتها ورِقتها مُبدياً لها ارتياحه وسعادته في ما هو فيه مِن لحَظات الحُب والغرام نحوها، و كعادتها بادلتْهُ هي الشعور ذاته و الأحاسيس إياها، لكنهُ ما لبثَ أنْ طلب منها موافاته بصورةٍ أُخرى لها مِن غير أية ملابِس هذه المرّة، فلمْ تُصدّق ما قالَه لكنهُ أصَرّ على طلبه لِما لها مِن مقام عالٍ و رفيع لديه – طِبقاً لزعمه- ولتكون صورتها هذه رفيقة له يؤنس بها نفسه، فأخبرته بأن يستخدم لذلك صورتها السابقة، فحاصرها مُجَدداً بِوَهم الزواج مُؤكِّداً لها أنّ الأزواج سكناً لِبعضهم وهو ينوي الاحتفاظ بصورتها هذه إلى أنْ يتمّ زواجهما وينتقلا معاً لبيت الزوجية في القريب العاجل، فطلبتْ مُهلة لتفكّر في أمر إرسال الصورة التي طلبها، فوافقها وكعادته لم يسهو عن موعظته الدينية لها وهو يودّعها.
وباتصالهما ببعضهما لاحقاً سألها مباشرةً عما توصلتْ إليه من قرارٍ بشأن الصورة (يبدو أنه ضجِر وأصبح في عجلةٍ مِن أمره ليتحوّل للمرحلة المقبلة من القبح الآخَر لأخلاقهِ الدنيئة)، فاعتذرتْ مِنه لعدم استطاعتها فِعل ذلك، ورغم أعذاره الواهية ووعوده الزائفة ومسكنته الغرامية بمدى تعلُّقه بها وادعائه بعدم استطاعته العيش بدونها ومحاولته إقناعها بأن أشهراً قليلة جداً هي المدة الفاصلة عن زواجهما القريب، لكنها تمسكتْ برأيها برفض إعطائه الصورة التي طلبها، وكان خيراً لها أيضاً لو استعانتْ بأمّها الغافلة أو أبيها اللاهي منذ بداية اتصاله بها لكنها لم تفعل، وفعلتْ خيراً كونها لم ترسل إليه الصورة الفاضحة، التي لا ريب أنها ستكون الفيصل نحو تحييد مسار هذه التمثيلية والتي دامت لأشهر، ولذلك هو أيضاً لم يفوّت فرصته واكتفى بما حازه من الصور لها والمعلومات العائلية عنها وأسرتها وادّعى لها أنه كان يمتحنها في أخلاقها وبرفضها لموافاته بالصورة نالت ثقته وإعجابه وأثبتت له حُسن تربيتها وخلُقها، و هنا بدأ يلوح في الأُفق المنحنى الآخَر من القصة فبانقضاء عدة أيام زعم لها أنّ لديه التزام مالي لا يتجاوز المائة ريال عماني وأنه لا يملك المبلغ المطلوب حالياً، وأتى لها بأعذار عدة أقنعها بها طالباً إسداء هذه الخدمة له حتى لا يقع تحت طائلة الملاحقة القانونية، فلمْ يكنْ منها إلا أنْ لبّت النداء، ولمَ لا وهو الذي سيكون بعلها قريباً ويجب أن تقف إلى جانبه في السرّاء والضرّاء بل وتثبت له منذ الآن أنها معه قلباً وقالباً، فتدبّرتْ أمر المال وأرسلتهُ إليه بالطريقة التي اتفقا عليها.
ولكنهُ عادَ يطالبها بالمزيد من المال وهي التي لا تزال طالبة تعيش في كنف والدَيها ولا تملك لنفسها من المال شيئاً، ولذلك اعتذرتْ لعدم استطاعتها تلبية طلبه، لكن هنا ومن غير أية مقدمات تحوّل العاشق الولهان وزوج المستقبل للفتاة من واعظ إلى خليع فاجر فاسق ووحش كاسر، فذكّرها بما لديه من صور ومعلومات عنها وأنه سينشرها على مختلف المواقع الإلكترونية وعلى أصحابه ومعارفه كما أنه قد يرسل صورها حتى لوالدها إنْ هي لم تدفع له المال، فذكّرته بحبه لها ووعوده بزواجهما ومواعظهِ الدينية لها على مدى الفترة التي قضياها في التحدث مع بعضهما، ولكنْ كلّ ذلك لمْ يشفع لها معه بل جعلها مصدراً مالياً له تحت وقْع التهديد بما يحوزه من صور لها و أسرارها الشخصية وأسرتها، آمراً إياها نسيان ما كان بينهما من حلو الكلام وعليها أن تتذكر فقط الشيء الوحيد لضمان عدم نشر صورها وهو استمرارها في دفع المال له متى ما طلبه منها، وبذلك صارتْ ضحية وعودٍ واهيةٍ وكلمات غرام زائفة وعُرضة لفضيحة واسعة لا قِبل لها بها، أو كيفية التصرف مع ما وقعتْ فيه وطريقة التخلص منه، وهي ملامة لا شكّ في ذلك نتيجة إعطاء الرجل فرصة التحدث معها، والواجب عدم التعاطي مُطلقاً مع الأغراب الذين يجب عدم فتح مجال التحدث معهم منذ أول لحظة سنحتْ لهم للحديث سواء عبر الاتصال أو الحديث المباشر، والحفاظ على عدم تجاوز الخطوط الحمراء معه ومع أمثاله، لكن ذلك هو ما صار وحدث للأسف.
ولذلك هداها فكرها إلى التخلص مِن هذه المِحنة والخروج من هذا المأزق بإتيانها بأمرٍ حرّم الله تعالى فعله والقيام به على الإنسان في حقّ نفسه، لِما له من تَعدٍّ صارخ على الروح التي هي أمانة الربّ جلّت قُدرته في الجسم، حيث تتجه نيتها إلى إنهاء حياتها انتحاراً بتناولها جرعاتٍ مِن المنظفات السائلة التي لا بدّ من وجودها في البيت، فتوجهتْ لمكان حفظ تلكم المواد وأخذتْ مُطهّر مادة الديتول، وكان وقت ما بعد تناول وجبة الغداء حيث وقت القيلولة هي ساعة الصفر و الفرصة السانحة لبطلتنا البائسة للقيام بما عقدتْ عليه العزم من فِعل قبيح محّرّم شنيع، فأخذت الفتاة بضع جرعات من المادة المطهرة التي أحضرتها سلفاً لغرفة نومها، لكن رغم ذلك فعناية الله لها كانت ألطف بها من نفسها، فقد سمعت عاملة البيت أصواتاً غريبةً تُصدرها الصبيّة على غير عادتها فهرعتْ إليها لكنها وجدت الباب مُغلَقاً، فاستنجدتْ بوالديها فأتى الأب بمفتاح الاحتياط الذي معه وفتح الباب الذي يغلق من الداخل بقبضة لتدوير القفل (وهذا من أفضليات الأقفال لغرف الأطفال خاصة)، فدخلا على البنت فوجداها في حالٍ صحيّة سيئة تطلب نقلها إلى المستشفى وعلى عجَل، حيث تمّ عمل تطهيرٍ لمَعدتها مِن سائل التنظيف الذي تناولتْه وتقديم العلاج المناسب لها، وبإرادة الخالق جلّ جلاله شُفيَتْ وتعافتْ مِما أوقعتْ نفسها فيه ولله الحمد والمِنة والثناء، وأنهى والدها الإجراءات مع جهات الاختصاص التي وقفتْ على محاولة انتحار الفتاة بما في ذلك إدارة المستشفى، وذلك بغرض خروجها وعودتها للبيت بعد أن تعهدتْ بعدم فعل ذلك مستقبلاً والتأكيد على والدها بأنْ يكون أكثر حرصاً عليها بعد وقوفهم على سبب المشكلة.
وصلت الشابة البيت ووقف والداها معها على إيجاد مَخرج مما أوقعت نفسها فيه فلم يكن من والدها إلا أنْ تناول هاتفه وبكل يُسر وهدوء وثقة اتصل على أحد الأرقام التي خصصتها الجهات الأمنية والقضائية للإبلاغ عن مِثل هذه الجرائم، فتمّ استلام مكالمة الرجل والتعامُل مع البلاغ بكل سرية، ومِن ثَمّ التوصّل للجاني الذي قضّ مضجع الفتاة لأيام لم تذُق خلالها طعماً لأيٍّ مِن مَباهج الحياة نتيجة لما أوهمها به وفقاً لما سبق بيانه، ليتضح للسلطات المعنية أنه ليس صاحب الصورة والاسم اللذَين أرسلهما إليها وكذلك عُمره الذي تعدى الثلاثين عاما، وأنه متوَرط في مثل ذلك ليس معها وحْدها فحسبْ، بل مع عدة فتيات، وقد يكون معتمداً على معيشته من أفعاله تلك مُستخدماً وسيلة اتصالٍ لأجنبي غادر السلطنة منذ مدة، وبذلك سَلِمَت بطلتنا من براثن هذا المُبتزّ وعادتْ لحياتها الطبيعية ولسان حالها يدعو كل فتاة إلى عدم الانجرار وراء مثل هذه المــُخادَعات وعدم التجاوب منذ البداية مع هكذا اتصالات، بينما هي ومن تِلكُم الحادثة ووالدَيها دوماً إلى جانبها بعد أنْ أدركا كارثة تركها لوحدها أغلب الوقت في ماضي الأيام، وبناءً على طلبها وموافقة والدها ننشر مأساتها علّها تكون عِبرة وعِظة لمن قد يتوهمنَ صَدق مَشاعر الآخرين نحوهنّ عَبر مثل هذه الوسائل خاصة وغيرها من الوسائل و الأساليب بصفة عامة، والتي لا تعدو كونها أفخاخ ينصبها ضعاف النفوس المغرضين وسيئي التربية والأخلاق، لنَيل دناءتهم من ضحاياهم الذين ينجذب إليهم البعض من غير وعي وإدراك منهم حيال ذلك، كما أنّ ذلك ينطبق أيضاً على صغار السنّ من الذكور الذين قد يُغرّر بهم باستخدام مثل هذه الوسائل من أمثال واعظ الفتاة صاحبة هذه القصة، وأنّ الحذر وعدم التعاطي مع الأغراب والاستعانة المباشرة بولي الأمر أمور مجتمعة من شأنها أن تُجنب فلذات الأكباد العديد من المخاطر مِن حولنا، كما لعله مِن المناسب أن يقدّم كل أجنبي ينوي مغادرة البلاد ما يفيد خلوّ ذمته من أية وسائل اتصال قائمة باسمه.
سلّم الله الجميع و دُمتم بحفظ الرحمن.